هل يمكن إنشاء “برلمان شورى شعبي” مستقل (أو افتراضي) في سوريا ذو سلطة أخلاقية فقط؟ استلهامًا من فكرة جورج مونبيوت في “عصر الرشد”

هل يمكن إنشاء “برلمان شورى شعبي” مستقل (أو افتراضي) في سوريا ذو سلطة أخلاقية فقط؟ استلهامًا من فكرة جورج مونبيوت في “عصر الرشد”

قدّم جورج مونبيوت في كتابه “عصر الرشد” (أو Age of Consent في نسخته الإنكليزية) أطروحة جريئة تدعو إلى إنشاء برلمان عالمي شعبي يمتلك سلطة أخلاقية لا تُفرَض بالقوّة العسكرية أو الإكراه السياسي، بل تنبع من شرعيته الديمقراطية المباشرة التي تمثّل شعوب الأرض. هذه الفكرة -رغم طموحها على المستوى العالمي- أثارت اهتمامًا واسعًا في الأوساط السياسية والأكاديمية؛ إذ رأى فيها البعض إمكانية لتخطي أزمات التمثيل الديمقراطي العالمي، ومساءلة القوى الدولية، وتعزيز العدالة، فضلًا عن منح صوت حقيقي لشعوب العالم بدلاً من الاعتماد على الأمم المتحدة ومجلس الأمن بطبيعتهما الهيكليّة المعروفة بتفاوت القوى واستخدام حق الفيتو.

إلا أنّ السؤال الكبير: هل يمكن تطبيق هذه الفكرة بشكلٍ مصغّر أو محلّي أو انتقالي في دولة من العالم الثالث، خصوصًا في سياق دولة خرجت لتوّها من حرب أو من انهيار نظام سلطوي؟ في حالتنا، سنطرح نموذج سوريا التي تحرّرت من نظام بشار الأسد، ونسأل: هل يمكن للشعب السوري، الساعي لإعادة البناء، أن يستلهم هذه الفكرة لإنشاء برلمان شعبي موازٍ (على مستوى وطني) ذي شرعية أخلاقية؟
وما إمكانية اللجوء إلى فضاء الإنترنت ومنصّاته الافتراضية لإنشاء “برلمان شعبي افتراضي” يمكنه أن يؤثّر في الحكومة المؤقتة (أو الجديدة) ويصحّح أخطاءها، من دون أن يكون له سلطة قسرية بل اعتمادًا على سلطة الرأي العام الأخلاقية والديمقراطية؟

هذه المقالة تسعى لتناول هذه التساؤلات بالبحث والمقاربة التفصيلية، مع الاستناد إلى فكرة مونبيوت الأساسية كما وردت في كتابه، ومحاولة إعادة صياغتها بما يتناسب مع خصوصيات الحالة السورية، واستعراض العقبات العملية والحلول أو الاقتراحات الممكنة.


القسم الأول: ملخّص فكرة مونبيوت عن البرلمان العالمي ومسوّغاته

1. أزمة الحوكمة العالمية

  • يرى مونبيوت أنّ هناك عجزًا ديمقراطيًا جوهريًا في المنظومة الدولية الحالية. إذ ورثنا الأمم المتحدة من تسويات حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تسيطر خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن على مصير العالم عبر حق النقض (الفيتو).
  • هذا الوضع يكرّس قوة كبرى بيد الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، ويجعل القرارات المصيرية في أيدي عدد قليل جدًا من القوى؛ ممّا يهمّش أصوات الأغلبية الساحقة من الشعوب والدول (الفقيرة تحديدًا).

2. حدود دور الأمم المتحدة والجمعية العامة

  • الجمعية العامة تمنح لكل دولة صوتًا واحدًا بغض النظر عن حجم سكانها، فيتساوى تمثيل دولة شديدة الصغر مثل “توفالو” مع دولة بمئات الملايين من السكان كالهند.
  • الأسوأ أنّ ممثلي هذه الدول في الأمم المتحدة قد لا يكونون ديمقراطيين أصلًا، أو قد يُعيّنون بقرارات فوقية لا رأي للشعوب فيها.
  • ولو أُعطيَت الجمعية العامة سلطات حقيقية، فإنّ آليات التصويت ستبقى مشوّهة، تتيح للدول الغنية رشوة الدول الضعيفة، وسيستمر الانحراف في تمثيل مصالح الشعوب.

3. الانتقادات لمحاولات الإصلاح الجزئي

  • اقترح البعض تمثيل برلمانات الدول الوطنية في هيئة ما عالمية، لكنّ مونبيوت يرى أنّ البرلماني في دولته لن يعطي الأولوية للهمّ العالمي؛ بل سيُقدّم مصالح ناخبيه المباشرة أو ينصاع لضغوط حزبية داخلية.
  • واقترح آخرون تمثيل “المنظمات غير الحكومية (NGOs)”، لكنّ ذلك يواجه مشكلات جدية: من يقرّر شرعية المنظمات؟ وماذا لو حوّلت الشركات الكبرى نفسها إلى آلاف المنظمات الصورية؟ وكيف نضمن المساءلة والشفافية؟

4. الحلّ المقترح: برلمان عالمي شعبي

  • يطرح مونبيوت تكوين برلمان عالمي منتخب مباشرة من شعوب العالم، لا من الحكومات، بحيث يمتلك شرعية ديمقراطية حقيقية.
  • يبدأ بلا قوّة عسكرية أو سلطة تنفيذية، بل يكتفي بدور المساءلة الأخلاقية بنشر الحقائق وتقارير الإدانة عند مخالفة الحقوق أو المصالح العامّة عالميًا.
  • افتراض وجود 600 نائب عالمي، كل نائب يمثّل نحو 10 ملايين شخص، مهما اختلفت الجنسيات، وبهذا تتحوّل الكتلة الناخبة للنوّاب من المستوى الوطني إلى مستوى يتجاوز الحدود القُطرية (كي لا يأخذ كل نائب بلدًا بحدودها السياسية فقط).
  • لا يمنح البرلمانيون سلطة تشريعية ملزمة، بل يعتمدون في البداية على قوّة التأثير الأخلاقي والشعبي، لتنمو هذه الشرعية مع الزمن.
  • الهدف النهائي: الحدّ من الاستبداد الدولي، ومساءلة القوى الكبرى، وربما اتخاذ قرارات عالمية عادلة في قضايا المناخ، وحقوق الإنسان، والديون، ونزع السلاح، إلخ.

5. تحدّيات التطبيق

  • التمويل: من أين يأتي المال لتغطية انتخابات عالمية بهذا الحجم؟
  • معارضة حكومات استبدادية تخشى نقل العدوى الديمقراطية لشعوبها.
  • هيمنة إعلامية من الشركات الكبرى والرأسماليين.
  • صعوبة تحقيق مشاركة من لا يملكون التقنيات الرقمية أو من يسكنون في أماكن معزولة.

رغم كلّ هذه العقبات، يرى مونبيوت أنّ البرلمان الشعبي العالمي هو خطوة ضرورية للتحوّل نحو حوكمة أكثر عدلًا.


القسم الثاني: إسقاط الفكرة على الحالة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد

1. خصائص المشهد السوري المفترَض

بعد سقوط النظام السوري الديكتاتوري الذي دام لأكثر من خمسة عقود مظلمة، دخلت سوريا في مرحلة انتقالية لإعادة الإعمار وبناء مؤسسات دستورية جديدة. يواجه المجتمع السوري:

  • تعدّد في التيارات السياسية والطوائف والإثنيات (عرب، كرد، شركس، آشوريون، إلخ).
  • وجود حالة انعدام ثقة بتاريخ طويل من القمع السياسي والأمني.
  • مؤسسات رسمية متهالكة أو غائبة؛ ونخب سياسية معارضة غير متجانسة ومشتّتة.
  • ضرورة التوافق على دستور جديد وآليات حكم انتقالية، وربما وجود “حكومة مؤقتة” أو “سلطة انتقالية” تشرف على إعادة الإعمار والانتخابات.

2. لماذا قد يفيد “برلمان شعبي” سوري (أخلاقي) في المرحلة الانتقالية؟

  • لأنّ الشعب السوري، بمختلف فئاته، يطمح لمساءلة السلطة الجديدة وتجنّب تكرار النموذج السابق من استبداد الحزب الواحد أو حكم العسكر/المخابرات.
  • شكل “البرلمان الشعبي” لن يكون بديلًا عن البرلمان الوطني المؤقت الذي قد يتشكّل بانتخابات رسمية. بل هو أقرب إلى هيئة موازية شعبية تعتمد على شرعية المشاركة المباشرة، وتُجري انتخاباتها بصورة مستقلة عن الهيئات الحكومية.
  • يقوم هذا البرلمان الشعبي بدور “الحارس الأخلاقي” أو “الرقابة الشعبية المستقلة” أو بالمصطلح الإسلامي “الشورى الشعبية”:
    • يراقب قرارات الحكومة أو السلطات المحلية.
    • يكتب تقارير للرأي العام المحلي والعالمي.
    • يوصي بتعديلات ومقترحات سياسات.
    • يسلّط الضوء على أي فساد أو تجاوزات أمنية أو انتهاكات.
    • يتواصل مع منظمات دولية مهتمّة بدعم عملية إعادة الإعمار والديمقراطية في سوريا.

بهذا المعنى، قد يشبه “برلمان شعبي” محلّي في سوريا فكرة مونبيوت من ناحية “عدم امتلاك القوة التنفيذية أو القضائية”، والاعتماد على قوّة الرأي العام المحلي والدولي.

3. أشكال التأسيس الممكنة

  • الجمعيات والمنتديات الشعبية: بإمكان السوريين أن يبدأوا بعقد مؤتمرات مفتوحة، تشارك فيها كل التيارات والناشطين والمجتمع المدني، للاطّلاع على الفكرة وتحسينها والتداول حول شكل “البرلمان الشعبي” المقترح.
  • اللجنة التحضيرية المستقلّة: يُنتخب (أو يُعتمد بالتوافق) أشخاص معروفون بنزاهتهم وتمثيلهم طيفًا متنوّعًا؛ تتولى هذه اللجنة وضع لوائح انتخابية وتصميم دوائر تمثيلية تُراعي اختلاف المحافظات والمناطق والتنوّع السكاني.
  • انتخابات برلمانية شعبية “غير رسمية”: أي لا تشرف عليها الحكومة مباشرة، بل ينظّمها ناشطون مستقلّون بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني وجماعات دولية محايدة (من باب مراقبة نزاهتها). الهدف هو خلق واقع شعبي موازي لأي سلطة رسمية تشكلها المرحلة الانتقالية.
  • إعلان تأسيس البرلمان الشعبي بعد التفاهم على ميثاقه المؤقّت. على غرار فكرة مونبيوت، تُترك التفاصيل الدستورية اللاحقة للشعب والنوّاب المنتخبين أنفسهم، مع إمكان إلغاء الهيكل أو إعادة صياغته بعد عدد من السنوات باستفتاء عام.

4. طبيعة الصلاحيات

  • لن يمتلك هذا البرلمان سلطة جباية ضرائب، أو إنشاء جيش، أو عقد معاهدات دولية، فهو غير مفوّض رسميًا من السلطات التنفيذية.
  • سلطته أخلاقية: عبر شرعية صناديق الاقتراع الشعبية واتساع المشاركة، وضغط الرأي العام المحلي والدولي في حال تبنّى البرلمان قرارات تندّد بفساد الحكومة أو أخطاء السياسات.
  • قد يتطوّر دوره مع الزمن إذا تعاظمت الثقة الشعبية به وأقرّت السلطات الانتقالية بشيء من الصلاحيات التشريعية الجزئية له (كمناقشة مشروعات قوانين محددة وإبداء الرأي الملزم).

5. التحدّيات في السياق السوري

  • انعدام الثقة: كثيرون سيظنون أنّ القوى المسيطرة على الأرض قد تستخدم “البرلمان الشعبي” أداة هيمنة جديدة، أو سيتسلّل إليه زعماء ميليشيات وسياسيون وصوليون.
  • خطر التشظّي السياسي: إذا لم يكن هناك حوار عميق بين المكوّنات السورية، قد يصبح هذا البرلمان منبرًا لتصعيد الخلافات بدلاً من حلّها.
  • التمويل: كيف نضمن استقلالية “البرلمان الشعبي” عن الدول أو الجهات المانحة الخارجية التي قد تشترط أجندات معينة؟
  • الأمن: في حال استمرت التوترات المسلحة، قد لا يتمكّن العديد من السوريين من ممارسة حقّهم الانتخابي بحرية وأمان.

6. اقتراحات وحلول

  1. ضوابط تمويل صارمة: تكوين “صندوق وطني شفاف” يمولّه مواطنون سوريون مقتدرون، أو مؤسسات خيرية تقبل أي رقابة وتكون ذات مصداقية دولية، مع سقف محدد وواضح للتبرعات الفردية ومنع أي تمويل سياسي ملوَّث.
  2. التصويت الإلكتروني + التصويت في المراكز المدنية: مزج آليات واقعية مع آليات إلكترونية؛ كي يتمكن السوريون في الشتات أيضًا من المشاركة في الانتخابات. مع توفير أدوات تحقق من الهوية للناخبين.
  3. ضمانات تمثيل الأقليات: اشتراط كوتا (حصة تمثيل) للمناطق والأقليات والقوى المدنية والنساء؛ أو على الأقل إيجاد نظام انتخابي نسبي.
  4. تدريب وتثقيف: تنظيم دورات توعوية ليعرف المواطنون أهداف البرلمان الشعبي وطبيعته ومكانته، وكيف يستطيعون التواصل معه أو إيصال شكاويهم.
  5. ضمان الشفافية: كل الجلسات تُسجّل وتُنشر أمام الملأ (عبر الإنترنت مثلًا)؛ ومنع الاجتماعات السرية إلا بأضيق نطاق؛ ونشر مداولات اللجان إلكترونيًا.

القسم الثالث: إمكانية إنشاء برلمان شعبي افتراضي (منصّة على الإنترنت)

1. دوافع اللجوء إلى البرلمان الافتراضي

  • توفير التكلفة: إقامة انتخابات فيزيائية تقليدية على امتداد دولة كبيرة فيه نفقات لوجستية عالية، بينما التصويت الإلكتروني قد يكون أرخص بكثير.
  • الانتشار الواسع: سهولة مشاركة السوريين في دول اللجوء أو المغترب، مما يتيح “تواصلًا دوليًا” يرفد الداخل بالخبرات ويضمن شمول تمثيل السوريين المهجّرين.
  • المرونة: تحرّر المنصّة من قيود الجغرافيا والسلطة المحلية؛ فلو قرّرت سلطة أو جهة ما منع الناس من التصويت، يبقى لديهم الإنترنت وقنوات تواصل آمنة (نسبيًا).

2. الشكل التقني المبدئي

  • إنشاء منصّة إلكترونية مركزية مستقلة، تديرها لجنة حيادية مدعومة بنشطاء تكنولوجيا المعلومات وخبراء قانونيين.
  • اعتماد تكنولوجيا Blockchain أو غيرها (إن أمكن) لضمان نزاهة التصويت، وعدم إمكانية التلاعب بسهولة.
  • وضع نظام توثيق للمستخدمين (المواطنين السوريين) عبر آليات تحقق صارمة؛ كي لا يُستنسخ الناخبون أو تُزوَّر هوياتهم.
  • عقد الجلسات البرلمانية افتراضيًا (عبر الفيديو كونفرنس مثلًا)، وتوفير منصّة بث مباشر يطّلع عليها الجمهور.

3. الأدوار العملية لبرلمان شعبي افتراضي

  • استقبال شكاوى المواطنين بخصوص أي فساد أو سوء إدارة حكومي.
  • إصدار “توصيات” أو “قرارات أدبية”: مثلًا تبنّي البرلمان الافتراضي قرارًا يدين ظاهرة اعتقال ناشطين جدد في منطقة كذا، أو يطالب الحكومة المؤقتة بإعادة النظر في قرار اقتصادي.
  • تقرير سنوي أو فصلي يراجع سياسات الحكومة ويقدّم “تقييمًا شعبيًا”.
  • تواصل مع المنظمات الدولية: كعرض نتائج تحقيقات أو جلسات استماع شعبية حول جرائم حرب محتملة، ممّا يزيد الضغط على الحكومة الانتقالية والأطراف المعنية.

4. العقبات التقنية والاجتماعية

  • فجوة رقمية: هناك نسبة كبيرة من السوريين ما زالوا غير قادرين على الوصول لخدمات الإنترنت بشكل موثوق، أو يعانون ضعف ثقافة استخدام التقنية.
  • الهجمات السيبرانية: قد تحاول جهات حكومية أو غير حكومية اختراق المنصّة والتشويش على العملية.
  • نزاهة إدارة المنصّة: كيف نضمن عدم تحيّز القائمين عليها؟
  • شرعية النتائج: إذا لم يعترف المجتمع (أو جزء كبير منه) بهذا البرلمان الافتراضي، فقد يفشل في اكتساب قوة أخلاقية.

5. نماذج مشابهة حول العالم (أمثلة من الفضاء الافتراضي)

  • “البرلمان التشاركي” في آيسلندا: بعد الأزمة المالية، اعتمدت آيسلندا منصّات إلكترونية لاستشارة المواطنين عند تعديل الدستور. لم تكن برلمانًا شعبيًا كاملًا، لكنّها تجربة يمكن البناء عليها.
  • منصّة “Decide Madrid” في إسبانيا: تجربة لتشجيع الديمقراطية المباشرة رقمياً عبر استفتاءات إلكترونية؛ رغم أنها تحت رعاية مجلس المدينة، إلا أنها تقدّم درسًا في إمكانية تطبيق المنصّات الإلكترونية للتصويت العام.
  • يمكن الاستفادة من هذه النماذج في سوريا، لكن مع مراعاة أنّ الوضع السوري أكثر تعقيدًا أمنيًا واجتماعيًا.

القسم الرابع: البرلمان الشعبي الافتراضي كآلية دعم وتصويب للحكومة (تطبيق لفكرة مونبيوت ولو محليًا)

1. الإطار النظري

بحسب فكرة مونبيوت، فإنّ برلمانًا شعبيًا (سواء كان عالميًا أو إقليميًا أو محليًا) يرتكز على:

  1. شرعية انتخابية مباشرة من الناس.
  2. عدم امتلاك سلطة القمع (لا جيش ولا شرطة).
  3. استقلال مالي قدر الإمكان.
  4. توظيف السلطة الأخلاقية لنشر القرارات والتقارير النقدية.
  5. العمل على الشفافية في كل إجراءاته.

إذا نُقل هذا التصوّر إلى سوريا محليًا، فسيكون البرلمان الشعبي بمثابة مجلس رقابة مدني ضخم يقوم بـ:

  • تمحيص القرارات الحكومية.
  • إطلاق تحذيرات من انحراف السلطة.
  • الضغط الأخلاقي والإعلامي.
  • تشكيل لجان تحقيق شعبية أو استماع للمتضرّرين.

وبالتالي قد يتحوّل البرلمان الشعبي إلى “مستشار جماعي” للحكومة المؤقتة، يدفعها لمراجعة سياساتها، أو قد يساعدها في حشد دعم شعبي لقوانين جيدة صعبة التمرير. إذ سيكون البرلمان الشعبي قادرًا على إقناع الناس بمشروع معيّن لو أبدى الناخبون دعمهم له.

2. آلية التصويب العملي

  • لجان مختصة: ينشئ البرلمان الشعبي الافتراضي لجانًا تعالج ملفات محددة (مثل التعليم، الصحة، العدالة الانتقالية، حقوق الإنسان، إعادة الإعمار…). تطلب هذه اللجان من مسؤولي الحكومة أو الخبراء المثول افتراضيًا في جلسات استماع علنية.
  • المساءلة عبر الإعلام: حين يصدر البرلمان الشعبي تقريرًا يتهم الحكومة بإهدار المال العام في مشروع معيّن، قد تضطر الحكومة للردّ رسميًا أمام وسائل الإعلام، خوفًا على سمعتها.
  • تقارير نصف سنوية: تعلن حالة حقوق الإنسان والحوكمة والفساد بأرقام ووقائع، فتنتشر محليًا ودوليًا، ممّا يشكّل ضغطًا إيجابيًا لإصلاح الأخطاء.

3. الفائدة للحكومة ذاتها

  • عندما يعلم الوزراء والمسؤولون في أي حكومة أنّ هناك هيئة رقابية تحظى بشعبية واسعة وتملك “منبرًا” إعلاميًا وجماهيريًا قويًا، سيخافون من الفضيحة العامة؛ وذلك قد يرشد قراراتهم ويحدّ من فسادهم.
  • إن كان البرلمان الشعبي منصفًا وغير عدائي دون مبرّر، فقد يتحوّل إلى حليف للحكومة في بعض الملفات الوطنية الكبرى (مثال: تمرير خطط تنموية تتطلب دعمًا شعبياً واسعًا).

القسم الخامس: دروس واستنتاجات من فكرة مونبيوت وتطبيقاتها المحتملة

1. أهمية الحفاظ على الديمقراطية التأسيسية

  • يشدّد مونبيوت في كتابه على أنّه “إذا لم تؤسس الديمقراطية نفسها بنفسها فإنّها ليست ديمقراطية”. أي أنّنا يجب أن نترك للناس والمجتمع مساحة تقرير المصير في شكل برلمانهم، بدل صياغته مسبقًا بقالب نخبوي.
  • في سوريا المستقبلية، هذا يقتضي حوارًا مجتمعيًا مفتوحًا حول ماهية البرلمان الشعبي، وصلاحياته، حتى لا يُفرَض من “فوق” فيتحوّل إلى نادٍ مغلق آخر.

2. الحذر من تحوّل البرلمان الشعبي إلى أداة قمع جديدة

  • تذكّرنا تجربة “مجلس العوام” في روما القديمة (التي أشار إليها مونبيوت) كيف بدأ كمجلس أخلاقيّ يطالب بحقوق المضطَهَدين، ثم بعد عقود صار أعضاؤه يشبهون طبقة النخبة نفسها.
  • لذلك يجب وضع آليات “حلّ” أو “إعادة انتخاب” دوري أو “سحب الثقة” متى أراد الشعب، وضمانات تمنع سيطرة حزب أو ائتلاف مالي متسلّط على هذا البرلمان.

3. تجنّب التعقيد المفرط

  • يشير مونبيوت إلى أنّ البساطة مفتاح لنجاح أي برلمان عالمي أو شعبي؛ كلّما زادت التشعّبات القانونية وتعدّد الهيئات الموازية، قلّ فهم الناس لها وقلّ حماسهم للمشاركة.
  • في سوريا (وهي تتعافى)، يفضَّل إبقاء فكرة البرلمان الشعبي محدّدة بأهداف واضحة: “رقابة أخلاقية، تصويب حكومي، تمثيل شعبي مستقل”.

4. قبول بقاء الدول والحكومات

  • حتى ضمن تصوّر “البرلمان الشعبي”، فإنّ وجود حكومة انتقالية وبرلمان رسمي منتخب (إجرائي) لا يتعارض مع البرلمان الشعبي الأخلاقي. بل إنّ الاثنين يتكاملان في مسارٍ مزدوج نحو إقامة دولة حقيقية.
  • البرلمان الشعبي قد يكون أوسع من حدود القوانين الشكلية، فيسهم في زرع ثقافة سياسية جديدة ضمن المجتمع.

5. العلاقة مع المجتمع المدني الدولي

  • يمكن للبرلمان الشعبي الافتراضي التواصل المباشر مع برلمانات أو حركات شعبية خارج سوريا، والتنسيق بشأن قضايانا الوطنية، واستقطاب دعم دولي إضافي.
  • في الوقت نفسه، على هذا البرلمان أن يرفض أي وصاية أجنبية عليه، كي يحافظ على نزاهته واستقلاله.

القسم السادس: اقتراح خطة طريق تنفيذية مبدئية

  1. مرحلة التوعية والتشاور
    • عقد مؤتمرات شعبية في الداخل والخارج (عبر الإنترنت وفعليًا) لتقديم مفهوم البرلمان الشعبي.
    • توضيح دوره “كهيئة رقابة أخلاقية” لا تتبع أي تنظيم حزبي أو عسكري.
    • إطلاق حملات إعلامية توعوية في مناطق سوريا المختلفة (بعد استقرار أمني) لشرح الفكرة.
  2. تشكيل هيئة تحضيرية مصغّرة
    • يُختار أعضاؤها بتوافق بين تيارات معارضة ومنظمات محلية مستقلة.
    • تضطلع بوضع نظام انتخابي مبدئي (ويمكن لاحقًا تغييره عبر استفتاء شعبي).
  3. بناء المنصّة الإلكترونية
    • الاستعانة بخبراء سوريين أو دوليين لتأمين سرّية التصويت ومنع التلاعب.
    • توفير واجهات استخدام مبسّطة، ودعم لعدّة لغات (العربية والكردية وغيرها).
  4. إجراء انتخابات تأسيسية
    • قد تُعقد فيزيائيًا في أماكن آمنة، وتترافق بتصويت إلكتروني للسوريين في الخارج أو في مناطق صعبة الوصول.
    • توثيق نتائجها بشفافية، وإعلانها للرأي العام.
  5. انعقاد أول جلسة للبرلمان الشعبي
    • اختيار رئاسة مؤقتة أو لجنة إدارة تنظيمية.
    • وضع آليات تشكيل اللجان (لجنة لحقوق الإنسان، لجنة إعادة الإعمار، لجنة مكافحة الفساد…).
  6. تدشين عمل البرلمان
    • استقبال الشكاوى والمقترحات من المواطنين والمنظمات.
    • بدء جلسات استماع علنية للوزراء أو المسؤولين إن أمكن.
    • إصدار تقارير دورية، ونشرها على أوسع نطاق.
  7. التقويم الدوري
    • بعد سنة من العمل، إجراء استفتاء شعبي إلكتروني حول: “هل تريدون استمرار البرلمان الشعبي بصيغته؟ أم تعديله؟ أم حلّه؟”.
    • بحسب النتائج، يحدث تحديث للميثاق الداخلي أو استمرار بتفويض جديد.

القسم السابع: الخلاصة والتوصيات

  1. من حيث المبدأ:
    • فكرة مونبيوت في إنشاء برلمان شعبي عالمي قائمة على اعتماد “الشرعية الأخلاقية” بدل القوة المسلحة أو السلطة التنفيذية.
    • هذه الفكرة ممكنة على المستوى المحلي في سوريا ما بعد الأسد، من خلال إنشاء “برلمان شعبي” منتخب تمثيليًا من السوريين كافة، سواء في الداخل أو في الشتات، يعتمد الدور الرقابي والتوجيهي الأخلاقي.
  2. إمكانية التطبيق:
    • التطبيق ممكن ولو بصورة متواضعة، وذلك عبر منصّة إلكترونية وبرامج توعية ومشاريع تمويل مستقلة.
    • نجاح المشروع يتوقّف على مدى تقبّل الشعب السوري نفسه لهذه الفكرة، إضافة إلى مدى اعتراف الحكومة المؤقتة بها أو خوفها منها.
  3. الفوائد المحتملة:
    • رقابة شعبية فعّالة وصوت حرّ يُمسك بزمام المبادرة الأخلاقية.
    • حشد الدعم الدولي للمؤسسات الوطنية عبر تقارير شفّافة وموضوعية.
    • وقاية من عودة الاستبداد ومساعدة السلطات الانتقالية على تصويب أخطائها.
  4. التحدّيات:
    • الحاجة الملحّة إلى بنية تحتية تكنولوجية كافية ونشر ثقافة المشاركة الإلكترونية.
    • مخاطر سيطرة جماعات ذات نفوذ مالي أو سياسي على هذا البرلمان.
    • الوضع الأمني والاقتصادي الهشّ قد يعرقل أي مشروع واسع النطاق.
  5. التوصيات العملية:
    • البدء في مناقشات مدنية واسعة يشترك فيها ناشطون وحقوقيون وسياسيون مستقلون لتوضيح طبيعة هذا الكيان الشعبي الافتراضي؛ وتحديد كيف يمكنه أن يكون “معينًا للحكومة ومصوّبًا لأخطائها” دون أن يتحوّل إلى خصم أو كيان موازٍ يغرق في الصراعات.
    • تجارب تجريبية (Pilot Projects) صغيرة أولًا: مثل تشكيل “لجان ظلّ” إلكترونية لمراقبة قطاع أو اثنين (التعليم والصحة مثلًا) واختبار مدى تعاون الحكومة الانتقالية.
    • تصميم ميثاق أخلاقي صارم يمنع نفوذ الأحزاب المسلحة والجهات الخارجية من اختراق هذه الهيئة.
    • السعي إلى تمويل جماعي شفاف (Crowdfunding) من السوريين أنفسهم في الداخل والخارج؛ لاختبار مدى إيمانهم بالمشروع.

ختاماً

إنّ إنشاء “برلمان شورى شعبي” سوري، سواء على الأرض أو في الفضاء الافتراضي، ليس مجرّد رفاهية سياسية؛ بل قد يكون فرصة تاريخية لشعب أنهكته عقود من الديكتاتورية، كي يجرّب آليات جديدة للديمقراطية التشاركية والرقابة الشعبية.
بقدر ما قد تبدو الفكرة جريئة أو خيالية، فإنّ التجارب الثورية والتحوّلية عبر التاريخ غالبًا ما بدأت بأفكار كهذه تُعدّ “طوباوية”. ومثلما أكّد مونبيوت، نحن لسنا بحاجة إلى “مقصلة” أو “مقابر جماعية” للوصول إلى تحوّل حقيقي؛ إنّما إلى إرادة شعبية واسعة وتنظيم دقيق وتقنيات تضمن الشفافية والمساءلة.
قد يُولّد هذا البرلمان الشعبي أخطاءً وعثرات لا محالة. لكنّ البديل هو التسليم بعودة قوى أمر واقع عسكرية أو سياسية تحتكر القرار كما حدث في مراحل سابقة. إنّ البرلمان الشعبي هو وعدٌ بأن يمتلك الناس زمام المبادرة في مناقشة وصياغة مستقبلهم، دون إقصاء، وبدور أخلاقي ضاغط يُعيد الأمل في المسار الديمقراطي والحوكمة الرشيدة.

وبذلك، يصبح “برلمان الشورى الشعبي الافتراضي” تطبيقًا ملموسًا -ولو مصغرًا ومحليًا- لفكرة مونبيوت عن سلطة ديمقراطية عالمية تمثّل “نحن الشعوب”، وتتطلع إلى تجاوز حدود الأنظمة ودكتاتورية المصالح الخاصة، ومنح الأصوات الخافتة فرصتها الحقيقية في صياغة المستقبل.


المرجع كتاب جورج مونبيوت “عصر الرشد – بيان ثوري نحو ديمقراطية عالمية”
كتب المقال بواسطة تشات جي بي تي

 

أخبار تسعدك

اترك تعليقاً