لنحرص على بناء جسر من التواصل والتفاهم المشترك، حتى نتمكَّن من فهم الآخرين
إذا اختلف ما يُبني عليه، اختلف ما يؤؤل إليه، يعد الموضوع المطروح مهماً ومعقداً في الوقت نفسه، إذ يتعلق بالتفاعل الفكري بين الأفراد الذين يأتون من خلفيات ومعتقدات مختلفة. ولتسهيل فهم هذا الموضوع، سأناقش بعض النقاط الرئيسية والأفكار المتعلقة به.
بداية، يمكننا القول إن الفكرة الرئيسية لهذا الموضوع هي أن الإنسان يبني فكره ومعتقداته على أسس وخلفيات مختلفة، ما يؤدي إلى تنوع وتعدد الأفكار والرؤى. وهذا يعني أن الأشخاص الذين يأتون من خلفيات مختلفة، قد يتعاملون مع المفاهيم والأفكار والقيم بطرق مختلفة، وقد يصلون إلى نتائج مختلفة تماماً، رغم أنهم يتناقشون حول نفس الموضوع.
على سبيل المثال، قد يتناقش شخصان حول مفهوم العدالة، ولكن الشخص الذي يأتي من ثقافة مختلفة، يمكن أن يرى العدالة بشكل مختلف عن الشخص الآخر. فالأول ربما يرى العدالة كمفهوم يتعلق بالمساواة والتكافؤ، في حين أن الآخر ربما يرى العدالة كمفهوم يتعلق بالحرية والاختيار.
وفي الواقع، يعتمد اتفاق الأشخاص حول أي فكرة أو مفهوم على درجة التوافق في خلفياتهم وأساسياتهم الفكرية، فكلما تشابهت خلفياتهم، كلما كان الاتفاق أسهل وأكثر احتمالية. وبالمقابل، كلما تباينت خلفياتهم، كلما كان الاتفاق أصعب.
فمثلا إذا تناقش شخصان من خلفيتين مختلفتين مثل مؤمن وملحد مثلاً، فنجد أن المؤمن بني أفكاره من بديهيات مثل النص المقدس والإيمان ومن تجارب وخبرات مرتبطة بذلك، والملحد بنى أفكاره من بديهيات مثل أن العلم يفسر كل شيء وأن الدين أمر اخترعه الإنسان، فعندما يتناقش الاثنان نجدهما وكأنهما يتكلمان لغة مختلفة فلا أحد منهما يفهم على الآخر ، بل يظن الواحد منهما أن الآخر غبي ومتخلف. كذلك نجد الاختلاف واضحا في تناقش شخصين من ثقافتين مختلفتين غربية وشرقية مثلا. أو بين نقاش المرأة والرجل اللذين بنيا أفكارهما من بديهيات وخبرات واهتمامات مختلفة.
ومن هنا، يمكننا القول إنَّ المشكلة الأساسية في تلك الحالات هي عدم القدرة على فهم الآخر بطريقة صحيحة، فكل شخص يتحدث بلغةٍ مختلفةٍ ويعيش في عالمٍ مختلف، ما يجعله يعتمد على قائمةٍ من المعتقدات والأفكار التي يتعامل معها. وهذا يؤدي إلى انعدام الفهم والتفاهم بين الأفراد.
وبالتالي، فإنَّ الحل الوحيد هو البحث عن طرقٍ للتواصل والتفاهم المشترك. ويمكن القول إنَّ هذا الأمر يتطلب تطوير القدرة على الانصات والتعاطف، وإدراك أنَّ كل شخص يتحدث بلغةٍ مختلفةٍ ولديه خلفيةٍ مختلفةٍ عن الآخرين. وهذا ما يتطلب منا تحليل أفكارنا والتأمل فيها، وتطوير مهاراتنا الاجتماعية والحوارية والتفكيرية.
علاوة على ذلك، يمكن العمل على التواصل مع الآخرين بطرقٍ مختلفةٍ، مثل القراءة والاطلاع على آراء وأفكار الآخرين، والمشاركة في مناقشات وحوارات مفتوحة، والتحدث مع الآخرين بطريقةٍ مباشرةٍ وصريحةٍ، واحترام وجهات نظر الآخرين وتقديرها، وتقديم الحجج والأدلة التي تدعم أفكارنا بشكلٍ موضوعي وغير متحيز.
وفي النهاية، يمكن القول إنَّ الفهم والتفاهم بين الأفراد يتطلب المرونة والتحليل الذاتي والتعلم المستمر، والحرص على بناء جسر من التواصل والتفاهم المشترك، حتى نتمكَّن من فهم الآخرين.
الصور من عمل: Arnold Antoo & JOSHUA COLEMAN on Unsplash