قصة عبد الغفار خان – جندي اللاعنف الإسلامي – أحد أبرز روّاد اللاعنف في القرن العشرين

تُعَدّ منطقة الحدود الفاصلة بين أفغانستان وباكستان واحدةً من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم منذ عقود عدّة، إذ غالبًا ما يُشار إليها بوصفها مرتعًا للعنف وعدم الاستقرار وتنامي جماعات مسلحة متعددة. هناك، تداخلت الحروب الإقليمية والدولية والثورات والتوترات السياسية؛ وهو واقعٌ أسهم في تشكّل صورة نمطية عالمية عن البشتون بأنّهم عشائر عنيفة ومتمرّدة عبر التاريخ. ومع ذلك، فإنّ هذه النظرة السائدة كثيرًا ما تختزل الحقائق المعقدة للمجتمع البشتوني، وتتجاهل وجود تيارات وحركات إصلاحية نابذة للعنف ظهرت في البيئة ذاتها التي ينظر إليها اليوم على أنّها بيئة حاضنة للتطرف.
من هنا تكتسب قصّة عبد الغفّار خان، أو “بادشاه خان” (وتعني بالباشتو “الزعيم” أو “الملك”)، قيمتها الفريدة في التاريخ الإسلامي الحديث. فقد كان خان واحدًا من أبرز روّاد اللاعنف في القرن العشرين، ولقّبه معاصروه بـ”فرونتير غاندي” أو “غاندي التخوم”؛ إذ جمعته بالمهاتما غاندي صداقة وثيقة، وعمل كلاهما على توطيد مبادئ نبذ العنف لتحقيق الإصلاح الاجتماعي والتحرر من الاستعمار. الأغرب من ذلك أنّ هذه الدعوة إلى نبذ العنف ظهرت في قبائل البشتون، التي كثيرًا ما ارتبطت – ظلمًا أو إنصافًا – بالعادات القبلية الحادّة وثقافة الثأر وحمل السلاح.
تأسّست حركة “خدام الله” (أو “Khudai Khidmatgar”) عام 1929، وهي حركة اجتماعية واسعة قادها خان، انضمّ إليها أكثر من مئة ألف فرد من البشتون، ورفعوا شعار الإصلاح الاجتماعي واللاعنف في مواجهة الحكم البريطاني، ثم تواصل نضالهم في وجه الحكومات الباكستانية المتعاقبة بعد الاستقلال. وعانى أفراد هذه الحركة من القمع والسجن والقتل؛ بل إنّ خان ذاته تعرّض لمحاولات اغتيال، وحُكم عليه بالسجن مرارًا، وقضى قرابة ثلاثة عقود في المعتقلات. ومع ذلك، تمسّك بمبادئه حتى وافته المنيّة عام 1988.
إنّ سيرة هذا الرجل العظيم تحكي فصولًا ملأى بالإيمان والإصلاح والرسالة الاجتماعية؛ فقد حمل خان في جعبته دعوات للتعايش الديني، وتحقيق العدالة الاجتماعية، واحترام المرأة وتوسيع دائرة تعليمها، والدعوة إلى توزيعٍ أكثر عدلًا للأراضي في مجتمع البشتون الزراعي. ولم تكن هذه الدعوة نتاج معرفة غربية وافدة، بل استندت إلى فهمه للإسلام وتشديده على قيمه الأصيلة المتمثلة في الرحمة والتسامح واللاعنف.
في هذه المقالة المطوّلة جدًا، سنحاول إلقاء الضوء تفصيليًّا على حياة بادشاه خان، ونشأة حركة “خدام الله” ومسارها، والظروف التاريخية والاجتماعية التي أحاطت بها، والعلاقة المميزة التي جمعت خان بالمهاتما غاندي، ومدى التأثير المتبادل بينهما. كما سنعرض أيضًا للأفكار الإصلاحية التي حملها خان من رحم الدين الإسلامي وخطاباته التي بثّها في قلوب أبناء قبيلته، والتي تميّزت بالبساطة والقوة الروحية والصدق. ونُبيّن كيف استطاع أن يبعث روحًا جديدة لدى شعب اعتاد أن يمتشق سلاحه لأبسط المشكلات، فإذا به يتحوّل إلى أداة للاحتجاج السلمي.
سنرصد كذلك الجوانب الشخصية من حياة خان؛ كعلاقته بأسرته ونمط عيشه شبه الزاهد، ومواقفه من المرأة، وتعليمه، وأفكاره عن الوحدة الهندية، وما تبع ذلك من تداعيات بعد تقسيم شبه القارة إلى دولتين عام 1947، ووقوفه أمام الحكومات الباكستانية وخلافاته مع النخب السياسية المحلّية التي اعتبرته خطرًا يهدّد مصالحها. إنّها قصة “الرجل الحُلم” بالنسبة للكثير من الناشطين اللاعنفيين في العالم الإسلامي، وقصةٌ تبعث الأمل في أنّ اللاعنف ممكنٌ حتى في أكثر المجتمعات التي تعاني عنفًا وانقسامات.
في السطور التالية، سنحاول اقتفاء الأثر التاريخي والفكري لعبد الغفار خان – بادشاه خان – لنستلهم دروسًا حول قدرة الإيمان والإرادة الإنسانية في التحوّل، وحول وجاهة الخطاب الديني المقترن بالتحرر الاجتماعي. إنّها قصّة لا تدعم إيماننا بالتعايش واللاعنف فحسب، بل ترفع منسوب الثقة بقدرة الفكر الإسلامي على التطوّر والإصلاح والانسجام مع القيم العالميّة للسلام والعدالة.
أوّلًا: البيئة التاريخيّة والاجتماعيّة للبشتون
قبل الولوج إلى حياة خان، لا بدّ من التعريج على البيئة التي نشأ فيها البشتون، فهي المفصل الأساسي لفهم دور حركته ونشاطه. يُعَدّ البشتون من أكبر المجموعات العرقية في أفغانستان وشمال غرب باكستان؛ إذ ينتشرون في مناطق جبليّة وعرة تتسم أحيانًا بأنظمة قبلية مستقلّة نوعًا ما عن السلطات المركزية. ولهذا الواقع الجغرافي والقبلي أثرٌ بالغ في حياة البشتون وميولهم الثقافية.
لدى البشتون “ميثاقٌ أخلاقيّ” غير مكتوب يُعرف باسم “پشتونوالي” (Pashtunwali)، وهو يتضمّن قيمًا اجتماعية موروثة؛ من بينها أهمية الشرف والضيافة والانتقام والثأر. فقد جرت العادة منذ قرون أن يأخذ البشتون بثأرهم حتى في الخصومات البسيطة، إذ ينظرون إلى ذلك بوصفه حفظًا للكرامة وصونًا للهيبة القبلية. لذا شاعت صورةٌ – صحيحة أم مبالغٌ فيها – عنهم بأنّهم أكثر انخراطًا في القتال، سواء أكان داخليًّا فيما بينهم أم خارجيًّا في مواجهة الغزاة.
عاش البشتون في مواجهة طويلة مع قوى خارجية: من الإمبراطوريات المغولية والفارسية إلى الاستعمار البريطاني، ثم التنافس السوفيتي والأمريكي لاحقًا على أفغانستان. وقد أدّى هذا التلاحم المستمر مع غزوات أجنبية إلى قيام ثقافة مقاومة صلبة، يتخلّلها أحيانًا رفضٌ قاطع للإملاءات الخارجية. لكنّ هذا لا يعني أنّ البشتون بأكملهم كانوا متماثلين في رؤاهم؛ ففي تراثهم شواهد على إصلاحيين وزعماء دينيين دعوا – في مفاصل تاريخية مختلفة – إلى نبذ العنف وتوحيد الصفوف واستخدام أساليب أخرى للتعبير عن رفضهم للظلم.
في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، كانت المنطقة الخاضعة للاستعمار البريطاني تُعرف باسم “الهند البريطانية” (التي تضم اليوم الهند وباكستان وبنغلادش وأجزاء من ميانمار). ظلّت التوتّرات قائمةً على الحدود الشمالية الغربية، حيث تسعى بريطانيا للسيطرة الكاملة على القبائل، فيما كان البشتون مترددين في الخضوع لأحكام الإدارة الاستعمارية، ومعتادين على نزاعاتهم القبلية من جهة ثانية.
وسط هذه الأجواء، برزت محاولات لاحتواء العنف الدائر، وتحويل طاقات البشتون نحو مشروع مجتمعي يطمح للإصلاح. ومع اندلاع الحراك القومي التحرري في عموم الهند بقيادة شخصيات بارزة كالمهاتما غاندي وجواهر لال نهرو وغيرهما، بدأ زعماء محليون في إقليم البشتون يتفاعلون مع دعوات الاستقلال عن بريطانيا. لكنّ خصوصية البشتون وثقافتهم القبلية بقيت حاضرة بقوة، فكان لا بدّ من زعيم يفهم الديناميات الداخلية لهذا المجتمع، وقادر في الوقت عينه على ترجمة قيم التحرر واللاعنف بما يتناسب مع هذه البيئة الصعبة.
هنا تحديدًا يبرز دور عبد الغفار خان. إذ لم يكن مجرّد متأثر بفكرٍ وافدٍ أو خاضعٍ لمنهج شخصٍ آخر؛ بل هو ابن المنطقة، ووريثٌ لزعامةٍ قبليةٍ وعائلةٍ ذات نفوذ، ومع ذلك اتّخذ مسلكًا سلميًّا. وبفضل هذا المزيج من الأصول الوجاهية والفكر التجديدي، استطاع أن يُحدث أثرًا عميقًا في أتباعه، ومهّد الطريق لتجربةٍ فريدةٍ في تاريخ الكفاح اللاعنفي.
ثانيًا: بدايات حياة عبد الغفّار خان
وُلد عبد الغفار خان في عام 1890 (تذكر بعض المصادر أنّ مولده كان بين 1889 و1890) في إقليم يُدعى “أتمانزاي” أو في ضواحي منطقة “هاشتنغار” قرب بيشاور (التي تقع اليوم في باكستان). كان ابنًا لزعيم قبليّ غنيّ؛ إذ امتلكت عائلته أراضي شاسعة ونفوذًا بين عشائر البشتون. يُقال إنّ والد خان كان منفتحًا نسبيًّا، وحرص على تعليم ابنه في مدرسة بريطانية موجودة في المنطقة، على عكس ما كان رائجًا آنذاك من إلحاق الأبناء بالمدارس الدينية التقليدية فقط.
في المدرسة، احتكّ خان بمعلّم بريطاني يُدعى “ويغرام” وشقيقه الذي كان طبيبًا يخدم أهل المنطقة. تأثّر الفتى الشاب بما رآه من تفانٍ في خدمة الناس، حتى لو كان مقدِّم الخدمة أجنبيًّا ومسيحيًّا. وقد صارح خان في سيرته الذاتية بأنّه استلهم من هؤلاء الإخوة قيمة العطاء للمجتمع دون تمييز.
خلال شبابه، خطّط خان للسفر إلى إنجلترا لدراسة الهندسة، بينما كان شقيقه الأكبر يدرس هناك الطب. لكنّ والدته اعترضت على سفره؛ إذ لم تستطع تحمّل غيابه مثلما تحمّلت غياب ابنها الأكبر. أحبّ خان أمّه كثيرًا، فلم يشأ مخالفتها، وعدل عن السفر. قرارٌ ربما يبدو عاديًّا في سياقنا المعاصر، لكنّه تحوّل في حياة خان إلى نقطة فاصلة جعلته يقول: “قرّرت أن أكرّس نفسي لخدمة شعبي وبلادي، وأن أجعل ذلك سبيلًا للتقرّب إلى الله”.
وقد مثّل تعرّضه لإهانة البريطانيين – ولو بشكل غير مباشر – حافزًا إضافيًّا للتوجّه نحو نشاطٍ مقاومٍ أو رافضٍ للهيمنة البريطانية. إذ رُوي أنّه عُرض عليه العمل مع قسم “المرشدين” التابع للجيش البريطاني على الحدود، فلمّا رأى صديقًا له يُوبّخه مسؤول بريطاني بطريقةٍ تمسّ بالكرامة، استنكف عن العمل معهم.
لم تكن بداية خان مباشرة في حضن غاندي أو حزب المؤتمر القومي الهندي، بل سبق ذلك تأثره بشخصية إسلامية تقدمية تُدعى “حاجي صاحب من تورنغزاي”؛ وهو زعيم سعى لمقاومة الإنجليز وإنشاء المدارس ونشر قيم الإصلاح في قبائل البشتون. تبع خان خطاه، فأسّس أوّل كلية محلية، ثم أنشأ سلسلة مدارس في المنطقة. انخرط أيضًا مع التيار الإسلامي التقدّمي والقومي، وحضر مؤتمرًا إسلاميًّا في “أجرا” عام 1913.
في عام 1919، اعتقلت السلطات البريطانية خان مع أفراد عائلته لكونهم جزءًا من اجتماعٍ كبيرٍ في قريتهم حضره قرابة مئة ألف شخص، ولقّب فيه شيوخ القبائل خان باسم “بادشاه” (الملك أو الزعيم). ومع أنّ هذا اللقب النابع من تقاليد قبائل البشتون أضفى عليه مكانة رمزية، إلّا أنّه جلب له أيضًا غضب السلطات التي لم ترُق لها أي زعامةٍ بديلةٍ في المنطقة.
مذ ذاك الحين، بدأت وتيرة السجن تتكرّر في حياة عبد الغفّار خان، خصوصًا بعد مشاركته في “حركة الخلافة” التي انطلقت دعمًا للخلافة العثمانية في تركيا قبل إلغائها، وللاحتجاج على السياسات البريطانية. وخلال تلك الفترة، جرّب خان “الهجرة” إلى أفغانستان – استلهامًا من هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم – كنوعٍ من الاحتجاج السلمي. لكنّه سرعان ما عاد إلى موطنه، واستمرّ في تأسيس المدارس ونشر الوعي السياسي والاجتماعي بين أبناء قبيلته.
ثالثًا: تأسيس حركة “خدام الله”
في عام 1929، احتشدت قبائل البشتون في “أتمانزاي” للاحتفال بحدث سياسي يتعلق بأوضاع أفغانستان، واغتنم خان الفرصة لتدشين حركته الجديدة تحت اسم “خدام الله” (Khudai Khidmatgar). بالعربية يمكننا ترجمة هذا الاسم بـ”خَدَمة الله” أو “عباد الله”. وتقول المصادر إنّ اختيار الاسم كان رغبةً من خان في تحفيز أبناء قومه البشتون على خدمة البشر باسم الله، أو إدراك أنّ خدمة الخلق هي سبيلٌ للعبادة الحقة.
أسِّست هذه الحركة في البداية كمنظمة اجتماعية غير سياسية، تهدف إلى إعادة تشكيل المجتمع البشتوني على أسسٍ جديدة تشتمل على إصلاحات اقتصادية وتعليمية وأخلاقية. لكن لم تمضِ فترة طويلة حتى انخرطت الحركة في الصراع السياسي ضد الاستعمار البريطاني، فصار لها جانب نضالي مناهض للاستعمار.
اتّخذ أعضاء “خدام الله” زيًّا خاصًّا يتمثل في قميصٍ أحمر (ومن هنا عُرفوا باسم “القمصان الحمر”). ويعزو بعض المؤرخين اختيار اللون الأحمر إلى أنّه كان الأرخص والأكثر توافرًا في المنطقة، بينما اللون الأبيض قد يتسخ سريعًا، كذلك لم يكن صبغه سهلًا.
كان الهيكل التنظيمي للحركة يتضمن مجالس (جيرغا) على مستوى القرى، تُنتخَب ديمقراطيًّا، ومنها تُرسل مندوبين إلى مجالس أعلى، وصولًا إلى مجلسٍ مركزيّ. بيد أنّ القيادة العملية بقيت في يد خان الذي حاز منصب “القائد الأعلى”، يعين ضباطًا على المستويات الدنيا.
وخلال أسابيع قليلة، جذب خان مئات المتطوعين، لكن العدد بقي محدودًا (في حدود بضع مئات) حتى أبريل 1930. ثم قفز الرقم قفزة هائلة حتى وصل – وفق تقديرات عدّة – إلى أكثر من مئة ألف في أواخر الثلاثينيات.
أدّى خان بنفسه دورًا واسعًا في التوعية والتعبئة؛ فقد كان يجوب القرى لساعات طويلة، ويسافر على قدميه في بعض المناطق الوعرة ليشرح للناس مبادئ اللاعنف والإصلاح الاجتماعي. وبحسب شهاداتٍ متأخرةٍ من معاصرين له، كان يبدأ طريقه منذ الفجر ولا يتوقّف إلا في المساء، يخطب وسط الجموع، ويستمع لمشاكل الناس وينصحهم بنبذ العنف والثأر والسعي إلى النهوض بالتعليم وتنمية المجتمع.
تشير الدكتورة بانيرجي (أستاذة الأنثروبولوجيا التي درست الحركة لاحقًا) إلى أنّ كثيرين انضموا في البداية تقديرًا لشخصية خان القوية و”هالته” القيادية، لكنّهم بعد فترة صاروا مقتنعين بأهداف الحركة في الإصلاح، وبقيم اللاعنف كوسيلةٍ للاستقلال. لقد احتل خان مكانةً قريبةً من الزعامة الروحية بين أتباعه، وصار بعضهم ينظر إليه بوصفه “وليًّا” أو صاحب كرامات، لكنّه في الواقع كان يمزج بساطة الحياة والإيمان القوي بالحاجة إلى تغيير المجتمع البشتوني من داخله قبل أي مواجهةٍ مع الاحتلال.
رابعًا: خان ومبدأ اللاعنف
لو بحثنا عن القاسم المشترك الأهم في حياة بادشاه خان وحركته، لوجدناه في مبدأ “اللاعنف” (الأهِمْسَا) الذي أصبح حجر الأساس في مجمل خطابه. وقد تمسّك خان بذلك المبدأ ليس تكتيكًا سياسيًّا عابرًا، بل رؤيةً عقدية وأخلاقية.
كان خان يقول: “البشتون اعتادوا القتال والثأر، وغياب القانون جعلهم يستسهلون إراقة الدماء. لكنّني أعلنت لهم أنّنا بحاجةٍ إلى سلاحٍ جديدٍ، وأنّ السلاح الأنسب لنيل الحرية هو سلاح اللاعنف”. وأكّد مرارًا أنّ مبدأ اللاعنف الذي تبنّته “خدام الله” ينطلق من الإيمان بالله ومن كون الإسلام دين سلامٍ أساسًا.
لقد استند إلى تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مذكرًا البشتون بأنّ الإسلام يدعو إلى الصبر والثبات، ويروي لهم قصص تعرّض الصحابة الأوائل في مكة للتعذيب وصمودهم دون ردّ الأذى. أدّى هذا التوظيف للنصوص الإسلامية والقصص النبوية إلى إعطاء ركيزة دينية للأهيمسا، ما جعل الفكرة أكثر قبولًا لدى فئاتٍ كانت قد لا ترى في اللاعنف إلّا ضعفًا أو جبنًا.
ومع اتّساع رقعة الحركة، بدأ أعضاء “خدام الله” يتعهّدون أمام الله وأمام قائدهم بأن لا يلجؤوا إلى العنف مهما اشتدّ الاستفزاز، وبأن يربطوا نضالهم بالصبر وضبط النفس. حمل هذا الالتزام الصارم أبعادًا أخلاقية ودينية، وليس مجرد حسابات تكتيكية، ولهذا عندما طلب غاندي من بعض أتباع الحركة في أواخر الثلاثينيات: “ماذا لو أمركم خان بممارسة العنف؟” أجابوه بحزم: “لن نفعل ذلك أبدًا”.
لم يكن بادشاه خان غافلًا عن الصعوبات في تطبيق اللاعنف وسط قومٍ يشتهرون بقسوتهم القبلية، ومع ذلك رأى أنّ الشجاعة الحقيقية تكمن في التحمّل والصمود دون ردّ الإساءة بمثلها. وكثيرًا ما اعتبر أنّ “اللاعنف يتطلّب شجاعةً أكبر من العنف”، وأنّه الطريق الوحيد لمواجهة القوة النارية الهائلة التي امتلكها الجيش البريطاني.
من شأن هذا الالتزام الراسخ أن يخلق نوعًا من الوحدة والسمو الأخلاقي في الحركة، وهو ما جعلها مقنعة للكثير من الشباب الذين جذبهم التصميم الروحي والأخلاقي. ففي مجتمعٍ تُعدّ الشجاعة الفروسية قيمةً عليا، استطاع خان أن يقلب المعادلة ويطرح فكرة “الشجاعة اللاعنفية” التي أسّس لها بآياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية وحكاياتٍ من التراث الإسلامي، مستشهدًا بمواقف النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية وغيرها من المحطات التاريخية التي تم فيها تفضيل السلم وكبح النفس.
إنّ ما ميّز حركة خان عن غيرها من الحركات المعاصرة لها في عموم الهند، أنّها رسّخت اللاعنف عقيدةً دائمةً حتى بعد نهاية مرحلة معيّنة. ففي حزب المؤتمر – على سبيل المثال – غالبًا ما استُخدم اللاعنف كسلاحٍ للكفاح ضد الاحتلال البريطاني، لكنّه لم يُبنَ على أرضيةٍ إيمانية موحّدة. أمّا عند “خدام الله”، فكان الالتزام باللاعنف شاملًا لكل جوانب الحياة، جزئيًّا بسبب الخلفية الدينية التي استندوا إليها، وجزئيًّا بسبب الهيكل الاجتماعي الذي سمح لخان بأن يغرس هذه القيمة في نفوس المريدين بسلطةٍ أخلاقيةٍ عليا.
خامسًا: خان والإسلام
لم يكن اللاعنف الجانب الوحيد الذي طرحه خان في فهمه للدين الإسلامي، بل تبنّى أيضًا رؤية دينية عالمية متسعة الأفق، تنسجم مع فكرة التعايش السلمي والانفتاح على الآخرين.
كان يكرّر دائمًا: “الإسلام ليس حكرًا على المسلمين وحدهم، فالله خلق كل البشر، والمسلم والهندوسي والسيخي واليهودي والمسيحي جميعًا مخلوقات لله. وعلى المسلم الحقيقي أن يكون في خدمة كل مخلوقات الله”. ويستشهد بالآيات القرآنية الداعية للعدل والإحسان والحب بين الناس.
عندما قيل لخان إنّ تاريخ الإسلام مليء بالفتوحات والحروب، ردّ بأنّ تلك الوقائع لا تصادر حقيقة أنّ الصبر وضبط النفس يمثلان قيمًا جوهريةً في العقيدة. وهو يرى في قِصّة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة نموذجًا للانسحاب من موقع الاضطهاد، وليس المواجهة بالسلاح ما دام بالإمكان تجنّبها. وإن كانت بعض الغزوات قد حدثت، فإنّه يفسّر ذلك بظرفٍ تاريخيّ دفاعيّ، وليس من جوهر الإسلام أن يتّسم بالعنف.
إلى جانب ذلك، عُرف عن خان احترامه للممارسة الروحية في الأديان الأخرى؛ إذ سجّل في سيرته الذاتية أنّه كان يحضر جلسات صلاة متعددة الأديان مع غاندي، حيث يتلو خان آياتٍ من القرآن، ويستمع بدوره إلى نصوصٍ هندوسية أو مسيحية. وأبدى اهتمامًا بالبوذية والزرادشتية من منطلقٍ تاريخيٍّ ثقافي، كون البشتون قبل إسلامهم كانوا بوذيين، ومؤسس الزرادشتية يُحتمل أن يكون من المناطق الأفغانية القريبة.
انعكس هذا الانفتاح في مواقف عملية، منها أنّ أعضاء “خدام الله” شاركوا أحيانًا في حماية الأقليات السيخية والهندوسية من هجمات بعض الرعاع في بيشاور. إذ كان معيارهم هو الدفاع عن الضعيف أيًّا كانت هويّته الدينية أو العرقية.
ورغم أنّ الطابع العام للحركة ظلّ إسلاميًّا بحكم واقع البشتون الذي تغلب عليه الديانة الإسلامية، إلّا أنّ رسالة الحركة كانت لا طائفية، تتمحور حول “وحدة القلوب” في مواجهة الظلم الاجتماعي والاحتلال. ولم يكن غريبًا أن يصف غاندي خان بأنّه “خير من يوضّح كيف يتوافق الإسلام مع مبدأ اللاعنف”.
بهذا جمع خان بين عُمق الانتماء الإسلامي وبين قيمة التعايش مع الآخر، ورفع عن أبناء جلدته الغشاوة التي تحصر الدين في دائرة ردّ الاعتداء بالاعتداء. وقد برزت في نصوصه وخطبه مقولاتٌ حول حرمة الدم والالتزام بالأخلاقيات القرآنية الداعية إلى عدم إيذاء الآخرين لا بلسان ولا بسلاح ولا بيد.
سادسًا: خان وحقوق المرأة والإصلاح الاجتماعي
لم تقتصر جهود خان على الدعوة السياسية أو العقائدية؛ بل اهتمّ بقضايا اجتماعية مهمة كان المجتمع البشتوني بحاجة ماسّة إلى تصحيح مساره فيها. وعلى رأس هذه القضايا: تعليم المرأة، والحدّ من النزاعات القبلية الدموية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية للريف.
كانت المرأة البشتونية في مطلع القرن العشرين تعيش في أوضاع متدنية من الناحية التعليمية والاقتصادية، وتُحرم غالبًا من الميراث الشرعي، إضافةً إلى شيوع ظاهرة زواج الفتيات في سن مبكّرة. ركّز خان على أهمية تعليم الفتيات، وفتح مدارس للفتيات في بعض القرى، متحدّيًا تقاليد محليّة ترى في تعليم الإناث ترفًا أو خطرًا على الأعراف.
في مقالاتٍ نشرها في صحيفة “باشتون” – التي أسسها للتواصل مع شعبه – أكّد أنّ تكريم المرأة هو تكريم للمجتمع كلّه، وأنّ الإسلام كفل حقوق المرأة في الميراث وفي التعليم، ولكنّ الرجال هم من أهملوا هذه الحقوق وقيّدوا المرأة بتقاليد لا علاقة لها بروح الدين.
كذلك أولى خان اهتمامًا خاصًّا بمسألة الثأر؛ إذ تُعدّ حوادث الثأر من أكثر أسباب العنف في مجتمع البشتون. سعى من خلال حركته إلى حمل الناس على حَلّ نزاعاتهم بطرق سلمية عبر المجالس القبلية (جيرغا) وإعلاء مبدأ التسامح. فعلى سبيل المثال، حين يزور قريةً ما، كان يدعو العشائر المتخاصمة إلى الحوار، ويحاول إقناعها بإبرام “سولح” (صلح) يلتزم فيه الطرفان بوأد الأحقاد.
إلى جانب ذلك، حرص على غرس قيم النظافة والعمل اليدوي في نفوس الأتباع. وقد شُوهد مرارًا يمسك مكنسةً ويكنس الطرق بنفسه، في مشهدٍ أثار دهشة الناس الذين لم يعتادوا أن يروا زعيمًا قبليًّا أو رجلًا وجيهًا يقوم بأعمالٍ يظنونها حقيرة. بهذه اللفتات العملية، رسّخ خان مبدأ المساواة وخدمة المجتمع في عقول القوم.
لم ينسَ أيضًا الجانب الاقتصادي؛ إذ طالب مرارًا بإعادة توزيع الأراضي الكبيرة على الفلاحين بصورة أكثر عدلًا، أو على الأقل بتحسين أوضاع العمال الزراعيين. لكنّ تلك المطالب أثارت حفيظة كبار ملاك الأراضي، ما تسبّب بوقوفهم ضدّه في مراحل لاحقة.
لقد شكّلت هذه البنية الاجتماعية الإصلاحية جزءًا من هوية “خدام الله”؛ فالأعضاء متطوعون، يتحمّلون نفقات أزيائهم ونشاطهم، ويلتزمون بمستوى معين من الأخلاق الشخصية (العفّة والأمانة والبعد عن المشادات والتسامح مع الخصوم). ولعل هذا العنصر الخُلقي هو ما مكّن الحركة من الصمود أمام حملات القمع التي واجهتها، إذ امتلكت “مناعةً داخليةً” ضدّ الانجرار إلى الخوف أو إلى المعاملات بالمثل.
سابعًا: العلاقة بين خان والمهاتما غاندي
يرتبط اسم بادشاه خان غالبًا بالمهاتما غاندي، حتى إنّه لُقّب بـ”فرونتير غاندي” (غاندي التخوم). فما هي حقيقة هذه العلاقة؟
بدأت معرفة خان بغاندي عن بُعد في عام 1920 خلال لقاء عام في الهند، لكنّ التواصل الفعلي بينهما تأخر حتى أواخر العشرينيات. في عام 1928، حصل لقاء أوليّ في كلكتا، حيث تُروى حكاية إعجاب خان بأسلوب غاندي الهادئ في مخاطبة الجماهير.
في السنوات اللاحقة، اشترك خان مع غاندي في الكثير من المؤتمرات والمناسبات التي عقدها حزب المؤتمر الوطني الهندي، وهو الحزب القومي الأبرز آنذاك، وقرّر خان دمج حركته “خدام الله” مع الحزب ليصبح أحد أجنحته في مناطق البشتون، بالرغم من معارضة بعض رفاقه.
وُثِّق أن خان آمن إيمانًا شبه مطلقٍ بصدق غاندي ونزاهته، معتبرًا إيّاه “أداة من أدوات الله” في تحرير الهند. يقول خان في مذكراته: “متى اتّخذ غاندي قرارًا حاسمًا في أمرٍ مفصليّ، أرى أنّه تصرّف من وحي توفيق الله، فهو قد سلّم نفسه إليه تسليمًا كاملًا”.
من جهته، كان غاندي يثني إعجابًا على قدرة خان في نقل فكرة اللاعنف إلى مجتمعٍ عُرف بعكس هذه القيمة، وقال ذات مرة: “ما فعله خان مع رجال يرون قتل الإنسان أهون من ذبح الشاة أو الدجاجة، وتحويلهم إلى مقاتلين أشدّاء في صفوف اللاعنف، لهو أمرٌ أشبه بالمعجزة”.
لم تنقص العلاقة أوجه التباين؛ فقد كانت لحزب المؤتمر رؤى تشمل عموم الهند المتنوعة إثنيًّا ودينيًّا، بينما كانت حركة خان ذات بُعد قومي-قبلي يتناول البشتون بالتحديد. لكنّ روح الانسجام في مناهضة الاستعمار قرّبت بينهما كثيرًا.
بعد استقلال الهند وتقسيمها عام 1947، تحفظ خان على التقسيم، إذ كان يفضّل بقاؤه ضمن دولة هندية واحدة تستوعب كل الشعوب والأديان. لكنّ الأقدار شاءت انضمام إقليم البشتون (الحدودي) إلى الدولة الجديدة: باكستان. وتعرّض خان وحركته لضغوط جديدة من الحكومات الباكستانية التي خشيت نفوذه الشعبي وخطابه المعارض. ومع ذلك، بقيت صلته الروحية والفكرية بغاندي قائمة حتى وفاة الأخير عام 1948.
تُعَدّ هذه الصلة أحد أمثلة “التضامن الإنساني” بين قائدين روحيين ينطلقان من خلفيات دينية مختلفة (الإسلام والهندوسية)، لكنّهما يجتمعان على تبنّي قيمةٍ إنسانيةٍ جامعةٍ هي “اللاعنف”. ولم يكن الأمر عبارة عن تحالفٍ شكليٍّ، إنّما كان صداقةً عميقةً امتدّت لتشمل الميدانين الفكري والعملي.
ثامنًا: النضال اللاعنفي ضد الحكم البريطاني
مذ أعلن خان وحركته التزامهم باللاعنف، واجهوا امتحانًا عسيرًا أمام أساليب القمع البريطاني. فقد استخدم البريطانيون القوة العسكرية بشراسةٍ ضدّ المظاهرات السلمية، وحاولوا كسر شوكة “خدام الله” بكل الوسائل.
تشير المصادر إلى حوادث مروّعة؛ منها ما حدث في بيشاور في 23 أبريل 1930، حين تجمّع الآلاف من أعضاء الحركة محتجّين على اعتقال أحد قيادييهم، ففتحت القوات البريطانية النار عليهم لساعات، وسقط مئات القتلى والجرحى. ومع ذلك، صمد المتظاهرون دون ردٍّ عنيف، بل كانوا يتقدّمون في صفوف، فإذا سقط المصاب في الصف الأول يسحبه أقرانه للخلف، ويتقدّم غيره إلى الأمام ليملأ الفراغ.
صُدم الضبّاط البريطانيون من إصرار البشتون على ضبط النفس؛ إذ كانت النظرة الاستعمارية تتصوّر البشتون قومًا لا يضبطهم إلا القتل المفرط، وأنّ إعلانهم اللاعنف ليس سوى حيلةٍ مرحليّة. لهذا السبب، تميّز التعامل الاستعماري معهم بمزيجٍ من القسوة والتشكيك.
وفي حادثة أخرى في أغسطس 1930، تكرّر إطلاق النار على مظاهرة سلمية أدّى لمقتل العشرات من “خدام الله”. وفي ديسمبر 1931، وقع قمعٌ دمويٌّ جديدٌ قتل فيه خمسون شخصًا. ويُذكَر أنّ عددًا من الأفواج العسكرية الهندية العاملة لصالح بريطانيا رفضت أحيانًا إطلاق النار بعد مشاهدتهم الطريقة التي واجه بها أفراد “خدام الله” القمع.
حاول البريطانيون تقديم رشى لزعماء القبائل لتفكيك الحركة، وعرضوا مغرياتٍ على خان لإبعاده عن الساحة السياسية، لكنّه رفض جميع المحاولات وصار يلقّب في الصحف البريطانية بـ”عدو التاج البريطاني” في المناطق الحدودية.
لقد ترك هذا النضال اللاعنفي أثرًا قويًّا في بقية الحركات الهندية المناهضة للاستعمار، إذ رأى الناس في نجاح خان – ولو نسبيًّا – مع شعبٍ يُضرب به المثل في الخشونة، دليلًا على إمكانية تحويل قيم المجتمع عبر الإيمان الراسخ. وسمع غاندي أنّ نائب الملك البريطاني آنذاك سأل متعجّبًا: “هل يمكن فعلًا أن يصير البشتوني لاعنفيًّا؟ هذا مستحيل!”. ومع ذلك كانت الحوادث تشهد بعكس ذلك.
طوال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، اعتُقل خان مرارًا وقضى فترات مختلفة في السجن، مثل سجن ديره غازي خان وسجن كوهات وغيرها. ورغم إطلاق سراح معظم السجناء السياسيين أحيانًا تحت ضغط الحركة الوطنية أو بموجب اتفاقيات مع قادة حزب المؤتمر، كان خان يُستثنى غالبًا من الإفراج؛ خشيةً من تأثيره في مناطق القبائل.
وبينما كان أعضاء حزب المؤتمر يخوضون صدامًا أقلّ عنفًا مع الشرطة البريطانية في الأقاليم الأخرى، عانى أعضاء “خدام الله” – في نظر الكثير من المؤرخين – القسط الأشدّ من القمع، لأنّ البريطانيين اعتقدوا أنّ الحل الوحيد مع “الهمج” هو البطش بلا حدود. وبرغم ذلك، بقيت الحركة ملتزمةً بالسلمية التزامًا صارمًا، وإن كان عددٌ من أفرادها قد لجؤوا أحيانًا لوسائل الاعتراض السلمي الحادة مثل الإضراب عن الطعام أو تعطيل طرق الإمداد دون حمل السلاح.
تاسعًا: خان بعد استقلال باكستان
عندما استقلت الهند عن بريطانيا عام 1947، وُلدت معها دولة باكستان الجديدة، بما يشمل أقاليم ذات أغلبية مسلمة كالبنجاب الغربي والسند وبلوشستان ومنطقة الحدود الشمالية الغربية (موطن البشتون). ومع أنّ خان مسلم ملتزم، إلّا أنّه كان رافضًا لفكرة التقسيم القائم على الدين، واعتبره تفكّكًا لوحدة الشعوب في شبه القارة.
بعد أن صارت المناطق البشتونية جزءًا من باكستان، انكشفت بوادر خلاف بين خان وحكام باكستان الجدد (خاصةً “الرابطة الإسلامية” التي أسّست الدولة). فقد طالب خان بإعطاء البشتون حكمًا ذاتيًّا أوسع، استنادًا إلى وعود سابقة لهم إبّان الحركة القومية الهندية. لكنّ السلطات الباكستانية رأت في ذلك تطلّعًا انفصاليًّا أو مشروعًا تهديديًّا لوحدة الدولة الناشئة.
نتيجةً لذلك، تعرّضت حركة “خدام الله” لموجة من القمع أعادت إلى الأذهان أساليب البريطانيين، فاعتُقل خان مجدّدًا وقضى سنوات طويلة في السجن الباكستاني، وأُغلق العديد من المدارس والصحف التابعة للحركة، وحُظِرت الكثير من أنشطتها. وأدّى الضغط الرسمي إلى تقلص قاعدة الحركة، وإن بقيت حاضرةً بقدرٍ محدود.
في الستينيات، نُفي خان لفترة في أفغانستان، وهناك لحق به بعض أفراد عائلته، من بينهم حفيده أصفنديار والي خان الذي روى لاحقًا كيف كان جدّه الشيخ الثمانيني لا يتوقّف عن التنقل بين القرى للقاء الناس وبث روح الإصلاح.
استمرّت الحكومات الباكستانية المتعاقبة في تضييق الخناق على خان؛ إذ رأت أنّه يقود تيارًا يمكن أن يطالب بالاستقلال أو الاندماج مع أفغانستان. وكان خان نفسه يقول إنّه لا يريد أن يكون مواطنًا من الدرجة الثانية، بل يريد أن يتمتع البشتون بحقوقهم الثقافية واللغوية والإدارية على الأقلّ.
ظلّت نظرة خان معادية للطائفية وخطاب الكراهية؛ فحين تفشّت أعمال شغب طائفية في أقاليم أخرى من باكستان والهند، كان يشجّع على السلم، بل وإنّه جاب مناطق هندية عديدة مع غاندي ما قبل مقتل غاندي بقليل، بهدف وقف اضطهاد الأقلية المسلمة وحماية الأقليات الهندوسية أيضًا.
لم تتوقف مسيرة خان حتى الرمق الأخير من عمره. إذ ظلّ داعيًا للسلام بين الهند وباكستان، كما عمل على رأب الصدع داخل المجتمع البشتوني نفسه، وسجّل مواقفه الرافضة للعسكرة المتزايدة في المنطقة بعد دخول باكستان في سباق التسلّح مع الهند. وفي عام 1969، منحه رئيس الهند رئاسةً فخريةً في بعض فعالياتٍ للاحتفاء بالذكرى المئوية لغاندي، وسط ترحيب شعبي كبير في الهند، بينما بقي في بلده باكستان يعاني القيود.
عاشرًا: الجوانب الشخصية ونمط العيش
تمتع خان بشخصية كاريزمية جذابة، لكنّه عاش حياة بسيطة أقرب ما تكون إلى الزهد. فهو ابن زعيم قبلي ثري، ومع ذلك غلب عليه التقلّل من المتاع الدنيوي. ذكر أحد الصحافيين الهنود أنّ أمتعته كلّها في أحد مراحل حياته لم تتجاوز غطاءً للنوم ومنشفةً وملابس معدودة.
كانت ارتباطاته السياسية والنضالية العديدة تجعله غائبًا عن أسرته في أغلب الأوقات، وقضى ما يقرب من ثلاثة عقودٍ متقطّعة في السجن. يُروى أنّ أبناءه وأحفاده اعتادوا على هذا الغياب، لكنّهم كانوا يعرفون في قرارة أنفسهم أنّ والدهم أو جدّهم يؤدي واجبه الأخلاقي تجاه شعبه.
تروى قصصٌ عن صلابته البدنية رغم طول قامته وسنه المتقدّم؛ إذ كان يسافر في القرى النائية مشيًا، ويتخطى وجبات الطعام في النهار، ويُصرّ على لقاء الناس دون انقطاع. يقول حفيده أصفنديار والي خان الذي رافقه في المنفى بأفغانستان: “كنتُ أظنّ أني إن زرت قريةً نائيةً فإنّي أول غريبٍ يدخلها، ثم علمت أنّ جدي قد سبقني إليها قبل عقود”.
هذه البساطة والمواظبة جعلته قريبًا من قلوب العامة، ولم يتوانَ عن الأعمال اليدوية، فيمكن أن تراه يحمل المعول في الحقول أو يكنس الساحات. وكان يقول لأتباعه: “إن لم نخدم شعبنا بأيدينا، فكيف نتوقّع منهم الثقة برسالتنا؟”.
رغم بساطته، اتّسم خان بهيبةٍ ملحوظة؛ فقد وصفه كثيرون ممن قابلوه بأنّ “حضوره أقوى من شخصه”، وأنّه يشع صدقًا وأمانةً ونزاهةً عميقةً. وهذا الطابع خلق له تأييدًا شعبيًّا واسعًا، لكنّه أيضًا أثار حفيظة خصومه الذين اعتبروه خطرًا على نفوذهم بين العشائر.
حادي عشر: موقف خان من قضايا العالم الإسلامي
على الرغم من أن خان ركّز جهوده على مجتمعه المحلي وإصلاح قبائل البشتون، إلّا أنه لم ينعزل عن قضايا العالم الإسلامي ككل. فقد تعاطف مع قضية الخلافة العثمانية المهدّدة، وانخرط في “حركة الخلافة” في الهند، وواظب على التفاعل مع الحركات الإصلاحية الإسلامية الأخرى.
وعندما كان في السجن أو المنفى، تواصل مع بعض رموز التجديد الإسلامي على امتداد العالم الإسلامي، وإن لم تتوافر له فرص كثيرة للسفر خارج شبه القارة. كذلك لفت انتباه دعاة الإصلاح عربًا وغير عرب، منهم شخصيات في مصر وتركيا، أدركوا خصوصية تجربته وكيف استطاع أن يقدّم تطبيقًا حيًّا لمبدأ “الجهاد السلمي” في الإسلام.
إنّ رسالته الأساسية إلى عموم العالم الإسلامي تلخّصت في أنّ “المسلم القوي” هو الذي يضبط نفسه ولا ينفلت للعنف العشوائي. وكان يدعو في أحاديثه الصحفية المحدودة إلى الحلول السلمية للمشاكل الدولية. ففي عام 1985، حين زار الهند لحضور الذكرى المئوية لحزب المؤتمر، ذكر في حوار وثائقي أنّ الحل الوحيد لإنقاذ البشرية من الدمار النووي أن تتبنّى اللاعنف في علاقاتها، وإلا فإن العالم سيصير خرابًا.
لا يعني هذا أنّه كان معزولًا عن الاضطرابات التي وقعت في دول إسلامية أخرى، لكنه كان دائم التذكير بأنّ الإسلام نشر السلام والوئام، وأنّ حصره بالعنف يسيء لجوهر الدين. كان يأسف لما أصاب العالم الإسلامي من توتّراتٍ فرّقت شعوبه، ويرى أنّ بناء الإنسان داخليًّا هو القاعدة اللازمة للنهوض الحضاري.
ثاني عشر: المرأة في تجربة “خدام الله”
تُعدّ مشاركة المرأة جانبًا مهمًّا من تجربة حركة “خدام الله”، وإن لم تحظَ بالتركيز الأبرز في سرديات التاريخ الرسمي. فقد نشأت الحركة في مجتمعٍ محافظٍ جدًّا، حيث العُرف القاضي بالفصل الشديد بين الجنسين وتقييد حركة المرأة. وعلى الرغم من ذلك، شكّل وجود المرأة في الحركة نموًّا ملحوظًا.
تروي إحدى العضوات الوحيدات الباقيات على قيد الحياة، وتُدعى “غرانة”، أنّها كانت تقود مظاهراتٍ تسير خلفها ثلاثة أو أربعة آلاف شخص، وأنّ الناس كانوا يرفعون الأعلام بلا خوفٍ، بينما تتصدّى النساء للشرطة لإفساح المجال للمتظاهرين.
يشير بعض أعضاء الحركة إلى أنّ خان شجّع المرأة لتكون في مقدّمة الاحتجاجات، ولا سيما عندما كان رجال الشرطة البريطانيون أو الحكوميون يحاولون تفريق التجمع بالقوة؛ فالاعتداء على النساء علنًا سيجلب انتقادات عنيفة من المجتمع كله، ما يزيد الضغط الأخلاقي على السلطة.
إلى جانب هذا الدور السياسي، ساهمت نساء الحركة في رفع مستوى الوعي والتعليم في القرى، وعملن في مؤسسات أنشأها خان لتعليم التطريز والحرف البسيطة للبنات. وكانت هؤلاء النسوة يشاركن في إطلاق مبادرات اجتماعية لجمع التبرعات للفقراء أو لمساعدة أسر المعتقلين.
ومع أنّ مشاركة النساء بقيت محصورةً في شرائح معيّنة من المجتمع البشتوني، إلّا أنّها تمثل خطوةً هائلة في مجتمع يرى في خروج المرأة للمجال العام خروجًا على الأعراف. لذا يمكننا القول إنّ خان استثمر مبادئ الإسلام الداعية إلى تكريم المرأة وتعليمها، وحوّلها إلى منطلقٍ تنظيميٍّ ملموسٍ في حركته.
ثالث عشر: أوجه النقد والتحديات الداخلية
لا تخلو أيّ حركة جماهيرية من تحديات داخلية. منذ تأسيس “خدام الله”، طرحت أسئلة عدّة حول تناقضاتٍ محتملة: كيف تكون إسلاميةً وفي الوقت نفسه قومية بحتة؟ كيف تتبنّى نبذ العنف ويكون لها تشكيلاتٌ يشبه بعضها الطابع العسكري (مسيرات منظّمة بالطبول والمزامير)؟ وهل كان قرار الاندماج مع حزب المؤتمر صحيحًا أم لا؟
بالفعل، اعترض بعض مؤسسي الحركة البارزين على دمجها بحزب المؤتمر الهندي في 1931، معتبرين أنّ ذلك يجعلها فرعًا لحزبٍ تقوده نخبة هندوسية، ممّا قد يفقد الحركة خصوصيتها البشتونية. لكنّ خان رأى أنّه لا بدّ من إطارٍ وطنيٍّ واسع يواجه الاستعمار، ولا يريد أن يستفرد البريطانيون بحركته لعدم ارتباطها بكيانٍ أشمل.
من جهة ثانية، واجه خان انتقاداتٍ من بعض علماء الدين المحافظين الذين اعتبروا تفسيره للإسلام ميّالًا إلى المهادنة مع الهندوس والسيخ، بل واتّهموه بنشر بدعة “التسامح المفرط”. ورغم أنّ خان قدّم شواهد قرآنية وأحاديث نبوية تبرهن على صواب طرحه، إلّا أنّ تلك الاتهامات أحدثت بلبلةً في صفوف غير المقتنعين باللاعنف أصلًا.
كما لم يَسلَم من شائعاتٍ بريطانية بثّتها الإدارة الاستعمارية، بوصفه “بلشفيًّا أحمر” يسعى لنشر الأفكار الشيوعية بين القبائل، لأنّه ارتدى قميصًا أحمر وتحدّث عن إعادة توزيع الأراضي! ومن المعروف أنّ البريطانيين وزّعوا مناشير تدّعي أنّ القمصان الحمر هم عملاء البلاشفة الروس الذين يسعون لجعل البشتون خاضعين للاشتراكية.
أمّا بخصوص التزام اللاعنف، فعلى الرغم من شهادات عدّة تؤكد استمرار تعهّد أعضاء الحركة بالامتناع عن حمل السلاح أو الانتقام، فقد وقعت حوادث فرديّة لجأ فيها بعض الشباب للعنف في ظروفٍ شديدة التعقيد، لكنّ هذا لا يقلل من الطابع العام السلمي للحركة.
رابع عشر: سنوات السجن الطويلة
لو جمعنا الفترات التي قضّاها خان في السجون البريطانية والباكستانية، فسنجدها تقترب من ثلاثين عامًا، ما يجعله أحد أكثر القادة السياسيين تعرضًا للاعتقال في القرن العشرين. ولم يكن سجنه مريحًا، إذ خضع للأشغال الشاقة أحيانًا، ولمعاملة مهينة في كثير من الأحيان.
رغم ذلك، تبدو مذكراته ورسائله من السجن شديدة الثقة بجدوى اللاعنف. كان يكتب لأتباعه: “إياكم والردّ بالعنف، فذلك سيبرّر لهم مزيدًا من البطش. أمّا إذا حافظنا على سلميتنا، فسيتبيّن للناس في كل مكان من الظالم ومن المظلوم”.
وفي السجن، تفرّغ خان للعبادة والقراءة؛ فاطّلع على تراثٍ إسلامي متنوع، ودرس أيضًا سِيَر الأنبياء والقديسين في مختلف الأديان. ويُذكر أنّه حاول تدريس السجناء الآخرين مبادئ القراءة والكتابة، فنال احترامًا حتى من الحراس في بعض الأوقات.
بعد استقلال الهند وتقسيمها، كان من المفترض أن يعيش خان حرًّا في دولته المستقلة (باكستان)، لكنه وجد نفسه أسيرًا مرةً أخرى في سجونها، بسبب معارضته للسلطة المركزية ودعواته لمنح البشتون حقوقهم. وعلى مدى عقودٍ تالية، تكرّر اعتقاله كلما شعرت السلطة بخطر حضوره الشعبي.
حين أُطلق سراحه منتصف الستينيات بضغط دولي، استقبله شعبه استقبال الأبطال، وظلّ يتنقّل بين القرى ليستعيد زخم الحركة. لكنّ جهود السلطة واعتقال الأتباع والتحريض الإعلامي عرقلت الكثير من مشاريعه. ومع ذلك، واصل خان أداء دوره الرمزي كـ”أب روحي” للنضال السلمي.
خامس عشر: الإرث الفكري والتاريخي
توفّي خان عام 1988 في مدينة بيشاور عن عمرٍ ناهز ثمانيةً وتسعين عامًا (وفق التواريخ الراجحة)، تاركًا وراءه إرثًا إنسانيًّا فريدًا. وقد دفن في مدينة جلال أباد بأفغانستان بناءً على وصيته، في فترةٍ كانت تشهد فيها أفغانستان اضطراباتٍ جرّاء الغزو السوفيتي.
على الرغم من أنّه لم يحظَ بشهرة عالمية توازي شهرة صديقه المهاتما غاندي، إلّا أنّه يُعدّ – بشهادة دارسين غربيين وشرقيين – رمزًا لللاعنف في الإسلام. وقد كتب عددٌ من المؤرخين الغربيين، مثل إكناث إسواران وجون بوندورانت وآخرين، دراسات مستفيضة عن تجربته، إذ رأوا فيها دليلًا دامغًا على إمكانية استنبات مفاهيم مثل “المقاومة اللاعنفية” في وسطٍ عُرف بكثرة النزاعات والعصبية القبلية.
سياسيًّا، ألهمت حركته “خدام الله” نشأة أحزابٍ شعبيةٍ لاحقة في إقليم “خیبر بختونخوا” (الاسم الجديد للإقليم الحدودي). فقد تأسس حزب “عوامي الوطني” بقيادة أفرادٍ من عائلة خان، متبنّيًا نهجًا إصلاحيًّا معتدلًا، ومستندًا إلى إرث اللاعنف والديمقراطية واحترام التنوع الثقافي.
روحيًّا، ترك خان أثرًا كبيرًا في عقول الكثير من المسلمين التقدميين حول العالم، الذين رأوا فيه مثالًا حيًّا على أنّ الإسلام لا يتناقض مع مبدأ اللاعنف، بل يمكن أن يكون الإسلام حاضنةً لسلمٍ صادق. من جانب آخر، قدّم خان للجماهير البشتونية نموذجًا مختلفًا للبطولة: بديلًا عن التصور التقليدي المتمثّل في حمل السلاح والثأر، طرح صورة الزعيم الشجاع الذي يحمي شعبه بسلاح الحب والإصلاح والنهوض التربوي.
اجتماعيًّا، وإن لم تختفِ أعراف الثأر أو استبداد الأعراف الذكورية في مجتمعه – فهذا يحتاج زمنًا طويلًا للتغيير – إلّا أنّه فتح الباب لكسر القيود التقليدية، وساهم في زيادة الوعي بتعليم المرأة، وخفّف – ولو بنسبةٍ – من العنف القبلي بالتشديد على الجوانب الروحية في الإسلام التي تنبذ إراقة الدماء.
سادس عشر: دروسٌ مستخلصة من التجربة
من دراسة مسيرة خان وحركته، نستخلص عدة دروس وعِبر يمكن أن تكون إلهامًا للناشطين في قضايا مختلفة من العالم الإسلامي وغيره:
-
الإصلاح يبدأ من الداخل: أدرك خان أنّ مجتمعه البشتوني بحاجةٍ إلى تغيير جذري في قيمه قبل شنّ معركة التحرر من الاستعمار. لهذا اهتمّ بإصلاح التعليم والقضاء على الثأر ونشر ثقافة التسامح والحرية الدينية، وجعل ذلك قاعدة أساسية لبناء حركةٍ صلبة.
-
اللاعنف لا يعني الجُبن: غرس خان في أتباعه مفهومًا مختلفًا للشجاعة، مفاده أنّ الوقوف في وجه الرصاص دون ردٍّ فعلٍ عنيف أصعب بكثير من الرد بالمثل. وكانت هذه الفكرة أكثر إقناعًا في بيئةٍ تعدّ النخوة والشجاعة من أعلى القيم.
-
المرجعية الدينية عنصر قوة: حرص خان على تأصيل أفكاره في القرآن والسنة النبوية والتراث الإسلامي، فلم يُنظر إلى دعوته إلى اللاعنف والتسامح بوصفها فكرةً غريبةً وافدة من الخارج، بل بدت امتدادًا لجوهر الدين. وهذا جعل رسالته أكثر قبولًا، وأسهم في تحصين حركة “خدام الله” من الانقسامات.
-
القيادة بالقدوة: لم يعتمد خان على الخُطب والمواعظ فقط، بل جسّد التواضع وخدمة الناس في حياته اليومية، فكان يكنس الشارع ويعلّم الأميين وينام على فراشٍ بسيط، مما زاد من مصداقيته في أعين الناس.
-
التحدّي أمام القمع: على الرغم من شراسة رد الفعل البريطاني ثم الباكستاني لاحقًا، ظلّت الحركة ملتزمةً باللاعنف، وهذا الإصرار أكسبها تأييدًا أخلاقيًّا لدى قطاعات واسعة داخل الهند وخارجها، ووضع السلطة في موقفٍ حرج أمام الرأي العام.
-
عدم الاكتفاء بالعمل السياسي: لم تكن “خدام الله” مجرّد حركة احتجاجية، بل مبادرة شاملة للإصلاح الاجتماعي والثقافي. فأسّس خان المدارس والصحف والجمعيات النسائية، واهتمّ بالاقتصاد الريفي. إذ لا يمكن لمشروعٍ إصلاحي أن يقتصر على المطالب السياسية.
سابع عشر: شهادات من معاصريه
تنوّعت انطباعات الشخصيات الكبرى التي عاصرت بادشاه خان، فقد قال غاندي: “إنّ قدرته على تحويل قبائل مسلحة لا تهاب الموت إلى صفوفٍ تصرّ على اللاعنف، لهو أعجوبة تشبه الأساطير”.
أمّا جواهر لال نهرو، أوّل رئيس وزراء للهند، فقال: “كنت أعتقد أنّ تعوّد البشتون على حمل السلاح يجعل عمل خان أكثر استحالة، لكنّه نجح في أن يجعلهم جندًا مخلصين في جيش اللاعنف”.
وروى الأستاذ ساتي خانا من جامعة ديوك الأمريكية، الذي قابله عام 1985، أنّه شعر في حضرته بنزاهةٍ عميقةٍ تسري بين كلماته ونظراته، وأنّ خان أكّد له أنّ “السبيل الوحيد لنجاة العالم اليوم هو قبول أفكار اللاعنف”.
وفي باكستان، وإن كان الكثيرون في الطبقة الحاكمة لم ينسجموا معه، لكن جماهير البشتون ظلّت ترى فيه رمزًا وطنيًّا ورجلًا صادقًا لم يبع مبادئه من أجل كسب مصالح دنيوية. ولعلّ هذا ما ضمن له تقديرًا واسعًا حتى لدى خصومه السياسيين.
تتأكّد قيمته في أدبيات “اللاعنف” المعاصرة. إذ يذكره الباحثون جنبًا إلى جنب مع غاندي ومارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا في قائمة الرموز العالمية، وإن كان البعض يرى أن خان لم يحظَ بذات الانتشار العالمي في وسائل الإعلام الغربية، نظرًا لطبيعة مكانه الجغرافي وعقيدته الإسلامية وعدم دراية الغرب الكافية بشؤون البشتون.
ثامن عشر: الجوانب التربوية في مشروعه
لو تأمّلنا الجانب التربوي في مشروع خان، لوجدناه مشتملًا على ثلاثة محاور رئيسة:
-
التربية الدينية والأخلاقية: حيث شدّد على ضرورة فهم البشتون لدينهم فهمًا عميقًا يربطهم بقيم الإحسان والصبر والعدل والتسامح. وكانت الدروس الدينية التي ألقاها في القرى بسيطة العبارة، تبتعد عن التعقيدات الفقهية وتركّز على الجوهر الأخلاقي للإسلام.
-
التعليم الأكاديمي: أسّس خان عددًا من المدارس، بعضها مختلطًا للجنسين، شجّع فيها دراسة العلوم الحديثة جنبًا إلى جنب مع الدين، وأكّد أن تعليم المرأة لا يقلّ أهمية عن تعليم الرجل. واعتبر الأمّ المتعلمة السبيل الأول للنهوض بجيلٍ جديد من البشتون.
-
التربية الاجتماعية: ربط خان أخلاق اللاعنف بالإصلاح الاجتماعي والمشاركة الجماعية. فلم يكتفِ بحضّ الناس على ترك الثأر، بل أنشأ آليات بديلة لحلّ النزاعات (جيرغا ديمقراطية)، وحثّهم على العمل التطوعي لتنظيف الشوارع وبناء المدارس ونبذ الخرافات واستقبال اللاجئين.
هذه المحاور الثلاثة تناغمت وخلقت نوعًا من التجديد في المجتمع البشتوني، وإن لم يكتمل مشروعه بالكامل، لكنّه أسّس لوعي شعبي واضحٍ بأنّ السلاح ليس قدرًا حتميًّا، وأنّ بالإمكان كسر دورة العنف القبلي عبر جهود جماعية مدعومةٍ بقوة روحية صادقة.
تاسع عشر: الجدل حول اندماجه مع حزب المؤتمر
لا يمكن إغفال الحوارات والجدالات التي قامت حول قرار خان دمج “خدام الله” مع المؤتمر الوطني الهندي. ففي أواخر العشرينيات وبداية الثلاثينيات، كان حزب المؤتمر يزداد قوّةً وتأثيرًا في المطالبة بالاستقلال وإدارة حركة العصيان المدني بقيادة غاندي.
رأى خان أنّ حركته محدودة الموارد، ولا تستطيع الصمود طويلا أمام جبروت السلطة البريطانية دون سندٍ من الحزب القوي. فاعتقد أنّ الاندماج سيحمي مشروعه من قمعٍ كاسح، فضلًا عن توفير منصة وطنية لإيصال صوت البشتون إلى أرجاء الهند.
لكنّ البعض – ومنهم قياداتٌ في “خدام الله” – تخوّف من ذوبان هوية الحركة الخاصة وسط إطار وطني أشمل، لاسيما أنّ خان أعلنها حركة إسلامية بشتونية بالأساس، بينما يضمّ المؤتمر قوميات وأديانًا متعدّدة. واعتبر هؤلاء أنّ الجمعية الإسلامية (المسلمة) الهندية قد تكون حليفًا أنسب لدعم حركةٍ ذات طابعٍ إسلامي.
المفارقة أنّ زعماء الرابطة الإسلامية آنذاك كانوا يركّزون خطابهم ضد “الخطر الهندوسي”، بدلًا من تركيزه على إنهاء الاستعمار. وهذا ما رفضه خان؛ إذ كان يرى أولوية الحرية العامة لجميع سكان الهند، وعدم تحويل النضال إلى صراعٍ دينيٍّ ضيق. ومن هذا المنطلق، اختار خان المؤتمر، ما سمح له بنشر قضيته ضمن مساحةٍ أوسع، لكنه أيضًا جلب له عداوة الرابطة الإسلامية لاحقًا، فكانت نتائجها عميقة بعد قيام باكستان.
بالرغم من أنّ الوحدة بينه وبين المؤتمر كانت شبه راسخة خلال حقبة الاستعمار، إلّا أنّها تعثّرت بعد الاستقلال، بسبب تغيير الخارطة السياسية كليًّا، فبقي خان وحيدًا في دولةٍ جديدةٍ تحصي أنفاسه وتراقب كل حركاته. ومع ذلك، يظلّ قرار الاندماج علامة فارقة في مسيرته، إذ أكسبه شهرة هندية شاسعة، وعُرف بين قواعد حزب المؤتمر باسم “فخر الأفغان” و”غاندي الحدودي”.
عشرون: القراءة المعاصرة لتجربته
في ضوء التغيرات الهائلة التي شهدتها المنطقة الحدودية – لا سيما بعد الحرب الأفغانية السوفيتية في الثمانينيات، وصعود طالبان في التسعينيات، والحرب الأمريكية في أفغانستان بعد 2001 – تبدو اليوم ذكرى خان أكثر إلحاحًا. فالمشهد الإقليمي الراهن يختزن نماذج عنف متعدّدة الهوية: حركات جهادية مسلحة، ميليشيات قبلية، قوى عسكرية دولية متدخّلة، ومجتمعات منكوبة توارثت مأساة الحرب جيلاً بعد آخر.
أمام هذا الواقع، عاد باحثون وأكاديميون لتسليط الضوء على تجربة “خدام الله” بوصفها أنموذجًا منسيًّا يبيّن إمكانية مقاومة العنف بـ “اللاعنف فقط”، وأنّ المجتمعات البشتونية نفسها أنجبت حراكًا أصيلًا للسلام. يرى هؤلاء أنّ فهم التفاصيل الداخلية لهذه التجربة قد يساعد في بناء برامج إصلاحية تدمج المعطيات الدينية والقبلية في استراتيجية للسلام الدائم.
ومع أنّ بعض النقّاد يعتبر أنّ الظروف اليوم أقسى مما كانت عليه أيام خان – من ناحية تفكّك بنية المجتمع، وتدخّل أطراف خارجية أقوى تقنيًّا – إلّا أنّ المقارنة تظلّ مفيدة. فما من مجتمع يصعب زرع بذور اللاعنف فيه، شرط توافر القيادة المخلصة والرؤية الدينية والأخلاقية المقنعة والظروف التربوية المناسبة.
ويُستشهد أيضًا بتجربة خان لاستنهاض مفاهيم إسلامية أصيلة عن الجهاد الناعم والعفو والإصلاح، والتمييز بين الدفاع المشروع وبين الاعتداء، وبين الغيرة على الدين وبين الغلوّ الذي يجرّ إلى صراع طائفي وعِرقي. فالأمثلة الحية أقوى أثرًا من التنظير المجرد، وخان كان مثالًا حيًّا.
من هذا المنظور، تحظى مذكرات عبد الغفار خان وكتاباته باهتمام متزايدٍ في الدوائر التي تدرس “اللاعنف” كوسيلة فعّالة اجتماعيًّا، وليست مجرد فلسفةٍ مثاليةٍ بعيدة عن الواقع. ومع توافر ترجمات أكثر لأقواله إلى لغات عالمية مختلفة، بدأت تتزايد شهرته بوصفه “غاندي الإسلامي”.
حادي وعشرون: لحظات أخيرة ورحيل رجل الجبال
في أواخر حياته، عانى خان من أمراض الشيخوخة وقضى فترات طويلة متنقلًا بين المستشفيات في كابول وبيشاور. لكنّه ظلّ محتفظًا بتصميمٍ روحانيٍّ يجذب محبّيه إلى جانبه. ويُقال إنه قبيل وفاته كان يوصي أبناءه بتجنّب العنف مهما كانت الاستفزازات، وأنّ “الجهاد الحقيقي اليوم هو جهاد بناء الإنسان ومواجهة الظلم بلا سلاح”.
رحل عام 1988، في أفغانستان التي كانت ترزح تحت الاحتلال السوفيتي والاقتتال الداخلي. وأقيمت له جنازة ضخمة شارك فيها عشرات الآلاف من الناس من جانبي الحدود، رغم أنّ المنطقة كانت مسرحًا للعمليات الحربية. وتعرّض موكب جثمانه لانفجارات متتالية أثناء العبور، لكنها لم تثنِ المشيّعين عن استكمال مراسم الدفن.
كانت وصيته أن يُدفن في جلال أباد بدلًا من باكستان، ربما رمزًا لعمق الهوية البشتونية العابرة للحدود الرسمية، وربما لرغبته في التأكيد على رسالته في الربط بين شعوب المنطقة من دون اعتبارٍ للسياسات الحديثة التي فرضها الاستعمار وخرائطه.
خلّف وراءه أبناءً وأحفادًا استمرّ بعضهم في النشاط السياسي، فأسّسوا حزب “عوامي الوطني” الذي تبنّى خط اللاعنف والديمقراطية. وعلى مدى السنوات اللاحقة، رُفع اسمه في ساحات عدّة، وكُرّم عبر إطلاق اسمه على مؤسسات تعليمية وطرقاتٍ في الهند، بينما بقي التقدير الرسمي في باكستان محدودًا جدًا، ولم يحصل على التكريم الذي يليق به إلّا بشكل متأخر.
ثاني وعشرون: لماذا علينا أن نتذكره اليوم؟
إنّ سرد سيرة عبد الغفار خان لا يهدف إلى تمجيد شخصية تاريخية فحسب، بل لإثارة تساؤلاتٍ عميقةٍ حول دور الدين في بناء ثقافة السلام، وحول إمكانية تحويل المجتمعات القبلية أو العنيفة إلى مجتمعاتٍ أكثر تسامحًا. ومن خلال خان، نرى كيف يمكن لشخصٍ واحد أن يحدث تغييرًا ملموسًا إذا امتلك رؤيةً واضحةً ودعمًا مجتمعيًّا صادقًا.
بما أنّ منطقتيْ أفغانستان وباكستان ما زالتا تواجهان اضطراباتٍ أمنية وثقافية وسياسية، فإنّ استحضار تجربة خان وحركته قد يمنحنا مفاتيح عدّة: أوّلها أنّ الحلول العسكرية لا تعالج جذور الأزمات، بل غالبًا ما تزيد الاحتقان. ثانيها أنّه لا بدّ من استحضار القيم الإسلامية السمحة والمشتركات الإنسانية لمكافحة خطاب التطرف والعنف، بدل الاكتفاء بإدانة شكلية.
وثالثها أنّ بناء السلم الاجتماعي يبدأ من إصلاح التعليم وإشراك المرأة وتمكين الفئات الضعيفة وخلق إطارٍ عادلٍ لتقاسم الموارد، وهي عناوين كانت في صلب مشروع خان قبل عقود.
لا يعني ذلك أنّ تجربته مثالية بلا نقائص، فكما رأينا واجه خان انتقاداتٍ وتشكيكاتٍ من الداخل والخارج، وتعرّض مشروعه للعثرات، ولم يتحقق له الاستقلال السياسي الذي كان يحلم به لإقليم البشتون. ومع ذلك، يبقى نجاحه الأخلاقي والتربوي نبراسًا لكثير من المصلحين في منطقتنا العربية والإسلامية.
ثالث وعشرون: مقارنات مع نماذج لاعنفية أخرى
في القرن العشرين، برزت حركات وأشخاص عديدون تبنّوا اللاعنف، أشهرهم غاندي في الهند، ومارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة، ونيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا (رغم أنّ مانديلا لم ينتهج اللاعنف طويلًا). وغالبًا ما تُدرس هذه التجارب في سياقٍ منفصل عن العالم الإسلامي.
لكنّ خان يكسر هذا القالب، إذ إنّه مسلمٌ متدين ينتمي لقبائل البشتون المحافظة، شكّل حركةً ضخمةً وصل عددها إلى مئة ألف أو أكثر، متعهّدةً رسميًّا باللاعنف. وعلى الرغم من أنّ فكرته لم تنتشر عالميًّا كما انتشرت أفكار غاندي أو لوثر كينغ، إلّا أنّ وزن تجربته يضاهي – وربما يتجاوز في بعض الجوانب – ما حقّقه أولئك الزعماء.
مثلًا، إذا كانت قاعدة غاندي في حركته تضمّ أطيافًا واسعةً من الطبقات المتوسطة والفقيرة في الهند، فإنّ خان أدخل في صفوف “خدام الله” رجالًا معروفين بحمل السلاح في حياتهم اليومية، ومع ذلك اعتزلوا العنف استجابةً لدعوته. هذه النقطة تشهد لصعوبة المهمة التي تصدّى لها خان، ولنجاحه في إحداث تحوّل جذري لدى جمهوره.
كما يقاربه الباحثون أحيانًا مع “علي شريعتي” أو “جمال الدين الأفغاني” وغيرهما من المفكّرين المسلمين، إلّا أنّ تميّز خان يتجلى في أنّه لم يكن خطيبًا أو مفكرًا نظريًّا فقط، بل قائدًا ميدانيًّا أسّس حركة شعبية قويّة، لذلك فهو أقرب إلى غاندي من حيث المزج بين النظرية والتطبيق الجماهيري.
لكن يبقى أنّ فكرته لم تُعمّم في العالم الإسلامي بالحجم الذي يليق بها، وربما يعود ذلك إلى أنّ مناطق البشتون ظلّت معزولةً ومهمّشةً إعلاميًّا، ولأنّ الأضواء خلال حروب أفغانستان سُلِّطت على رموز “المجاهدين” أو “طالبان” أكثر من التركيز على تراثٍ باشتونيٍّ ناهضٍ للعنف.
رابع وعشرون: خاتمة – إرثٌ حيّ رغم كل الصعاب
في زمنٍ تكتنفه الحروب الأهلية والإرهاب والقمع، حيث تغلب التحليلات السوداوية عن مصير المجتمعات المسلمة، تظهر تجربة عبد الغفار خان لتقدّم صورةً مغايرة: صورة رجلٍ من رحم البيئة القبلية المتشدّدة، استند إلى الدين الإسلامي في بناء حركةٍ سلميةٍ شديدة التنظيم، غايتها تحرير البشتون أولًا من دائرة الثأر والعنف، وثانيًا المساهمة في تحرير الهند من نير الاستعمار، وثالثًا السير في درب الإصلاح الاجتماعي الشامل.
ليس غريبًا أن تتعرّض هذه التجربة للقمع، وأن يُسجن خان عشرات المرات، وأن يتعرّض أتباعه لأبشع أنواع الاضطهاد؛ فالاحتلال البريطاني كان يدرك خطورة ظهور شخص يستثمر مكانته الدينية والقبلية لإقناع شعبٍ “لا يُقهر” – بحسب التعبير الاستعماري – بتجنّب القتال. وغنيٌّ عن البيان أنّ الحكومات الباكستانية أيضًا لم تنسجم مع مطالبه، لأنها تعلّمت من دروس الاحتلال نفسه في كبحِ كل حراكٍ شعبيٍّ مستقل.
ومع كل هذا، صمد خان تسعةً وتسعين عامًا (تقريبًا)، وترك وراءه إرثًا يواجه الزمن: “خدام الله” كمنظومةٍ فكريةٍ وأخلاقية، وحزب “عوامي الوطني” كمظلّةٍ سياسية، وسمعةً لا تزال تلهم الكثيرين في مناطق البشتون بأنّ الاصلاح ممكنٌ والدين قادرٌ على احتضان مفاهيم اللاعنف والتعايش.
لا شكّ في أنّ واقع المنطقة اليوم متشرذم ومشتعل بالصراعات، وقد تعرّض إرث خان لتحديات خطيرة مع تصاعد نفوذ حركات إسلامية مسلّحة مختلفة التوجه، وتفاقم التدخلات الأجنبية. بيد أنّ قصته الأكثر غرابةً تظلّ حيّةً بين صفحات التاريخ الإسلامي الحديث، تقدّم الدليل على أنّ اللاعنف ليس خيارًا مستحيلًا في البيئات التي تحفّها النزاعات.
إنّ ما خلّفه “بادشاه خان” يمكن اختزاله في عبارةٍ وردت في حوارٍ أجراه قبيل وفاته: “إذا لم نتعلّم أن نعيش بسلام، فسينتهي بنا المطاف إلى الدمار. إنّ الله لم يخلقنا لنقتل بعضنا بعضًا”. هذه الروح التوحيدية العابرة للحدود والقوميات والدّيانات، وهذا الإدراك بأنّ خدمة الناس هي عبادةٌ لله، هي التي تُبقي سيرته شاهدةً على مكانة الدين في تشكيل مستقبلٍ أكثر إنسانية.
من هنا، تظلّ قصّة “خادم الله” في منطقةٍ توصف بالاضطراب والتشدد والتطرّف، بمثابة وميضٍ من الأمل، يُذكّرنا بأنّ بذور السلام قد تخرج من رحم العنف ذاته حين تتوافر إرادة حقيقية تقودها عقولٌ متنورةٌ وقلوبٌ عامرةٌ بالرحمة ومرتبطةٌ بالله. هكذا كان عبد الغفّار خان، وهكذا بقي أثره خالدًا في ذاكرة كلّ من ينشد السلام والإصلاح في العالم الإسلامي والعالم أجمع.
وبذلك نختم هذه المقالة المطوّلة آملين أن تكون قد رسمت صورة شاملة عن شخصية بادشاه خان وحركته “خدام الله”، وعن ظروف نشأتها وعوامل نجاحها وأسباب تعرّضها للقمع، وعن الأفكار الإسلامية والإصلاحية التي صاغت مشروعه، وحجم الإرث الذي خلفه للأجيال اللاحقة. إنّها دعوةٌ للتأمّل في تاريخٍ زاخرٍ بالعِبر، وفي قدرة الإيمان الديني المخلص على تحويل سياقات العنف إلى أبوابٍ للسلام والتقدّم.
مستمدة من كتاب الإسلام يعني السلام لـ أميتاب بال
حررت بواسطة تشات جي بي تي
الصورة: Public Domain Mark 1.0